الصوم في مواجهة أمراض القلب النفسية
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
القلبُ حِين يمْرَض أو يموت على قيد الحياة، تنبثق منه رائحة العديد من الأمراض التي تطفو على سطح الشخصية؛ كموت الانتماء والمعيّة، وظهور البغضاء والحقد والشحناء والكراهية، ولا يوجد تفسير مقنع لهذا سوى الابتعاد عن الفرائض والأوامر الإلهية الربانية، والاقتراب من النّواهي والمهلكات، ولا شك أن في ذلك إضرار بالنفس وتهلكة لها.
ولا عجب أنه إذا مات القلب مات معه الضمير وماتت الأخلاق، ومات الإنسان وهو يتنفس على وجه الأرض، وفي الحقيقة أن الصوم فرصة جوهرية حقيقية وثمينة؛ لكبحِ جماح النّفس، ومحاولة السيطرة عليها، وتعويدها على الهدوء والسكينة وتنقية القلوب من الشوائب النفسية المريضة، فالصوم تدريب على التخلص من الشحّ والابتعاد عن الكراهية والحسد والبغضاء، إذ إن الصوم فرصة للنفوس للعودة بها إلى برّ الأمان والقناعة، وخلاصة ذلك كلّه أن الصوم وقاية للمسلم من شرّ نفسه، ووقاية للمجتمعات من ظهور المفاسد بين الأفراد؛ وبذلك يحقق المسلم المعنى الحقيقي من الصوم، كما قال رب العزة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة، الآية: 183.
ولذلك فإن الصوم نقطة تحوّل في حياة الأفراد، وسدٌّ ذريع لهم ضد سوء الأخلاق والغلّ والحقد وسوء المعاملات، وجميع أمراض القلب النفسية، وأهمها كسر كِبَر النفس، وتسليط اللسان، وطالما صام الإنسان؛ فإن الصيام يُعوّده على خُلُقِ التّواضع، وانتقاد الذات الإيجابيّ، ومعرفة حجمها الحقيقي والطبيعي، والصوم تحصين من انتفاخ الشخصية، والغرور الناتج عن أوهام وأمراض القلب، فالصوم يدعو الصائم إلى خفض جناحه لكل من حوله، وليس فقط الامتناع عن الطعام والشراب.
إن الصوم يترك في القلب والنّفس آثاراً إيجابية تنظّم المشاعر وتُلِين القلب وتصحّح مسار السلوكيات من عدم الانحراف وراء أمراض القلب النفسية التي تنتشر كالنار في الهشيم، ويكون لها مردودٌ سلبيّ في نفوس الأفراد ونفوس من يعاملونهم، ومن هنا يتبنى القلب طريقة التعامل التي تنمّ عن عدم اهتمام بالأوامر والنواهي، ولا تبالي، ومن ثَمّ فالصوم يعمل على إحداث التغيير المطلوب بعد إمعانٍ وتفكُّر وتدبّر وحكمة ومحاسبة للنفس وطهارة للقلب، فهو يحفظ للقلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته أيدي الشهوات، وما اقترفته النفوس من أمراض أصابتها، فنتج عنها أمراضاً قلبية نفسية، هزت قلوب أصحابها وغيرت أحوالهم، فكان الصوم رادعا ونقطة تحول للتعديل والتصحيح واتخاذ الطريق الأمثل.