2024
Adsense
مقالات صحفية

اكتب ما أُملي عليك

أحمد بن سليم الحراصي

(متى استعبدتم النّاس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) عمر بن الخطاب رضي الله عنه

إنه من الصفاقة والغرابة أن يتدخل أحدهم في شأنك ككاتب بإرشادك ما تكتبه وما لا تكتبه، أفهم أن للكتابة حدودًا لكن ليس عليك كقارئ أن ترسمها لنفسك، فالقراء كثيرون وما يعجبهم قد لا يعجبك وما يعجبك قد لا يعجبهم والكاتب يكتب ما يراه مناسبًا أيما هو في الحدود المعروفة، لكن أن يضع أحدهم حدًا للكتابة على هواه وبمزاجيته العنترية، هنا تسقط غاية الكتابة وتنحاز تمامًا إلى ما يريده أصحاب الرأي والقرار.

كما أنه لا يوجد معنا هنا في سلطنة عمان قمعٌ لحرية التعبير والرأي وهذا يفسر ما جاء في الخطاب السامي للسلطان هيثم -حفظه الله- وهو الذي أكد عليه في خطابه الأول بقوله «إن مما نفخر به، أن المواطنين والمقيمين على أرض عُمان العزيزة يعيشون بفضل الله في ظل دولة القانون والمؤسسات، دولة تقوم على مبادئ الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص، قوامها العدل، كرامة الأفراد وحقوقهم وحرياتهم فيها مصانة، بما في ذلك حرية التعبير التي كفلها النظام الأساسي للدولة»، ومن هذا الخطاب نفهم أنه لا حدود للحرية وهي مكفولة في حدود القانون وفي حدود الدين والأخلاق ودون التدخل في الشؤون السياسية للدولة، وعلى الكاتب والقارئ أن يفهما ما يعنيه هذا.

وحيث إن الحرية هي أن تقول ما يعجبك ودع الآخرين ليقولوا ما يعجبهم فإن ما يضيق الخناق أن بعض القراء لا يبالون بهذه الحرية بل يتسيدون المشهد في قمع هذه الحرية والرأي على اعتبار أنها قانونية في قاموسهم وأنه لا يمكن أن تتعدى الخطوط الحمراء في التعبير عن رأيك في انتقاده لخطأ ما، فأنا وزير أو شيخ قبيلة يحق لي أن أنتقد وأن أعترف بخطئي لكن لا يحق لك ككاتب أو صحفي أن تنتقدني وأن تقول عني ما تريد قوله حتى ولو كان حقيقة، على الرغم من أن الحقيقة أو التعبير عن الرأي لا جدال فيه لصغير أو لكبير، فالجميع سواسية وفي جانب واحد، لكن ذلك مع الأسف هو محل الجدال فأنا الكبير هنا وأنت الصغير ولا يمكن أن نتساوى، اكتب ما أمليه عليك ولا تكتب ما تمليه على نفسك وإلا فبيني وبينك المحاكم، وكأنه الوصي عليه وأن الكاتب ابنه الصغير الذي يرشده ما عليه فعله.

تعترضنا الكثير من الاعتراضات التي يشنها القراء لنا نحن ككتاب في محاولة منهم بقمع حرية التعبير والرأي وهذا لا مغزى له في أن يفسر القارئ ما يفهمه على هواه فالكتابات لها الكثير من المآلات والكثيرون يستطيعون تفسيرها بما يريدون ولكن يظل المعنى كما يقال في بطن الشاعر أو الكاتب، فمهما تعددت المعاني والتفسيرات تبقى الحقيقة الكاملة لدى كاتبها في نهاية الأمر.

نعم، اسمح لك كقارئ أن تنتقد ما أكتبه في كل شيء تريد أن تنتقد، مصطلحات لغوية، عبارات مسيئة أو تظنها أنت كقارئ أنها لا تناسب كتابتها لكن أن تقول للكاتب بالحرف الواحد (يا أخي اكتب كذا واترك عنك هذا، اكتب شيئًا خارجا عن الحقيقة واترك كل شيء عن الحقيقة حتى ولو على سبيل محاكاتها) فهذا ليس من شأنك، فإن لم نحاكِ الحقيقة فما أهمية كتاباتنا إذًا؟ ليس من اختصاصك كقارئ أن تملي للكاتب ما له وما عليه ولا أن ترهبه بمخالفة القانون؛ فالكاتب المتمرس يعرف ما يخالف وما لا يخالف، دعوا الحقيقة تأخذ مسارها الصحيح دائما حتى ولو على سبيل محاكاتها خياليًا.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights