الصّوم وتحسين اليقَظة العقلية
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
كما أنّ هناك أهمّية للصحةِ الجسمية والنفسية فإنّ الصّحة الذهنية لا تقل عنهما أهمية، فالذِهن – تبعًا للعلوم النفسية- هو مستودع التعبير عن العمليات المعرفية القائمة على اليقظة العقلية المستمرة، وفي ذلك إشارة إلى الحالة الدالة على الوعي والأفكار والإحساس بها لحظة بلحظة، وقد أشارت الدراسات النفسية إلى أن الذهن اليقظ يؤدي إلى حياة أكثر إنتاجية وسعادة.
ومن أهم ما تتأتى به الحالة الذهنية اليقظة هو الصوم، فبحسب الأبحاث النفسية والطبية فإن الصوم له تأثير على وظائف المخ؛ من خلال تعزيز القدرات العقلية ووظائف الدماغ، والتركيز وتحسين القدرة على الانتباه، وللجانب الطبي دور في إيضاح ذلك؛ عن طريق توضيح أن الصائم في حالة الصيام لا يحتاج إلى كمية من الدم في الجهاز الهضمي؛ نتيجة الجوع؛ وبالتالي فإن ما تحتاجه المعدة ويحتاجه الجهاز الهضمي من ضخ للدم يتم توجيهه إلى الدماغ، وهو ما يوضح توصيل الدم إلى المخ بصورة أكبر؛ مما يعزز من قدراته ومهاراته.
وبحسب هذا المغزى يتضح أن تناول كميات أقل من الطعام تمكن الجسم من توفير الطاقة المستغَلة في هضم الطعام، واستثمار أغلب الطاقة ليستمد منها الدماغ ما يمكنه من زيادة القدرة على الوعي والتركيز والتأمل، بالإضافة إلى أن الصوم يعمل على حماية خلايا الدماغ من التلف، ويزيد من مقاومتها للإجهاد والتعب ويحسن النوم.
وقد وجَدتْ العديد من الدراسات أيضا في الفترة الأخيرة أن الصوم مفيدا لصحة الأعصاب وتغذيتها، ويساعد في الوقاية من الأمراض النفسية والعصبية مثل: الزهايمر والتصلب المتعدد، كما يقلّل من الالتهابات التي قد يتعرض لها الدماغ، وقد يتخيل بعض الأفراد أن الصوم يؤدي إلى عدم التركيز والدوخة والصداع والتعب، ومع ذلك فإن الكثير من الأبحاث حول أثر الصيام تشير إلى أن الصوم له تأثير إيجابي على التركيز واليقظة العقلية بشرط الحصول على نوم كاف، وتغذية متوازنة، والصوم نفسه كعبادة وما يتبعه من شعائر والاندماج فيها بمثابة عوامل مساعدة أيضا على تحسين الوظائف التنفيذية العقلية بالدماغ؛ كالمرونة المعرفية، المبادأة بالسلوك، والتحكم الانتباهي، والذاكرة العاملة، والتخطيط والتنفيذ والتعقل، فهي حالة ممارسة عقلية مقصودة يكون العقل فيها متقبل للمعرفة التي يتلقاها في لحظاته الراهنة.