2024
Adsense
مقالات صحفية

رمضانيات اليوم العاشر: احرص على استغلال وقتك في رمضان

خلفان بن ناصر الرواحي

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسول الهدى وعلى آله وأصحابه الكرام أجمعين وبعد،،،

فاعلم أخي الصائم الكريم، أن مِن نِعم الله علينا كثيرة؛ فهي لا تعدّ ولا تُحصى، ومنها نِعمةَ الوقت والفراغ، والتي هي أغلى وأثمن ما نملك لنجاحنا في الحياة وفلاحنا في دار القرار، ومقياس النجاح والفلاح لمن استطاع وأجاد في استثمارها والانتفاع بها على أكمل وجه، وأحسن في تنظيمه بأفضل سبيل لتحقيق الغايات، والوقت هو الحياة ورأس المال المعنوي الذي يعنينا في هذه الدنيا إن أدركنا تلك الحقيقة، ومما لا شكّ فيه أنّ من ضيَّع وقته فيما لا ينفع فكأنما ضيع عمره وخسر عمله فيما يقرّبه ويرفعه منزلة عند الله تعالى.

واعلم أخي الحبيب، أنّ من سعى وأهدر في قتَل وقته بلا منفعة؛ فهو في الحقيقة القاتل لنفسه!؛ فلنتدبر أخي المسلم، الصادق المخلص في عمله لوجه الله تعالى ومرضاته، إنه لشرف عظيم، وأي شرف حين نستغل هذا الشهر المبارك لننظم فيه أوقاتنا لما ينفعنا وينفع به الناس، ولتعلم وأنت تتلو القرآن الكريم وتتدبر سوره وآياته الجليات، أن لمكانة الوقت وشرفه عند الله جليلة، فقد أقسم به تعالى، بل سمى به سبحانه بعض السور، ونذكر منها؛ الضحى، والليل، والفجر، والعصر، كما أنَّ رسول الأمة حث على اغتنامنا للوقت في حياتنا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ مِن الناس: الصحةُ والفراغ)- رواه البخاري.

فيا أيها الحبيب، إياك إياك وإضاعة وقتك فيما لا فائدة فيه. نعم، ربما قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا في معظم وقته؛ لانشغاله بكسب المعيشة ومتطلبات الحياة، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا؛ فإذا اجتمعت فيه تلك الخصلتان فغلب عليه الكسل عن الإخلاص والعمل في طاعة الله فهو المغبون والعياذ بالله.

واعلم رعاك الله أخي الكريم، عليك أن تستدرك نفسك وتراجعها في إدارة شؤونها، وترتب وقتك لما فيه خير لدنياك وآخرتك، ولتتذكر دائماً أن الدنيا هي مزرعةُ الآخرة، وفيها التجارة والكسب التي يظهر ربحُها ونعيمها في الآخرة؛ والكيِّسُ هو دان نفسه وعمل لآخرته؛ فعن أبي يَعْلَى شَدَّادِ بْن أَوْسٍ-رضي اللَّهُ عنه-، عن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ)-رواه التِّرْمِذيّ. فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو الرابح، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون والعياذ بالله.

فيا أيها الصائم التقي الورع، ليسأَل كلٌّ منا نفسه في كل يوم في هذا الشهر الفضيل؛ ماذا قدَّمت لنفسي من عمل؟ وفيما استثمرت وقتي؟ وهل قضيت وقتي بالطاعة والأعمال الصالحة؟ أو ضيعته باللهو واللعب، والغفلة عما خُلِقت له؟ أو أنني جاهدت وصبرت وقضيت الوقت فيما أعمل من أجله لأنال ما في هذا الشهر الكريم مِن خيرٍ وبركة وطاعة ومغفرة؟!

نعم، إنه لمن العجيب حقًّا، أن يكون من بيننا في هذا الشهر العظيم صائمون عن الطعام والشراب فقط! ولا يهتمون بقيمة الوقت، ويبحثون في كيفية تضييعه بأنواع اللهو واللعِب، والسهر والعبَث في لياليه فيما لا يليق بعظمة هذا الحدث العظيم، فيجعلون نهارهم في النوم ليستعدَّوا لليلة أخرى ثم أخرى في اللهو واللعب! فلنقل لأمثال هؤلاء، ما هكذا يا أحبتي شكرُ النعم، وليس هذا من استغلال الوقت في شهر الطاعة والتوبة بما يقرّبكم إلى الله زلفى!

فيا أحباب الله، أما حان الوقت لكي نراجع أنفسنا؟! أم حقًّا، إنها الغفلة، والإعراضُ عن النفحات الإلهية والرحمات الربانية في شهر الرحمة والمغفرة والرضوان ما زالت مستمرة في حياتنا؟!

فيا أيها الصائمون الأتقياء، احرِصْوا على ما تبقى من هذا الشهر الكريم؛ باستغلال أيامه ولياليه، وعُدّوا الساعاتِ له كيما تستثمرون فيه كل لحظة؛ فإن لله فيه نفحاتٍ ورحماتٍ، وعتقاء من النار، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة). رواه الترمذي وابن ماجه.

وإياكم أحبتي في الله، ثم إياكم أن تعيشوا في الغفلة وتعرضوا عن ذكر الله وتكونوا من الخاسرين، ثم إياكم وإياكم والتسويف فإنه مهلكة. قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾- [طه: 124 – 126].

فاللهم بارك لنا في أوقاتنا وأعمارنا، وتقبَّلْ منا صيامنا وصالحات أعمالنا، واجعلنا من العتقاء والفائرين، وأدخِلْنا الجنة بغير حساب.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights