الصوم والمنظور النفسي للزمن
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
تعد النظرة لمنظور الزمن -الماضي والحاضر والمستقبل- له علاقة وطيدة بالنظرة الإيجابية للحياة والدافعية للتغيير، كما أشارت بعض الدراسات النفسية إلى وجود علاقة بين منظور الزمن والصحة النفسية لدى الأفراد، حيث يتداخل مفهوم منظور الزمن في مكونات شخصية الأفراد، فوجود الإنسان في اللحظة الحالية لا يقتصر على الحاضر فقط، بل يمتد للنظرة المستقبلية والتفكير المسبق للأحداث القادمة.
ومنظور الزمن يعني السيرورة النفسية التي تنشأ من خلال التجارب الشخصية الاجتماعية، وفي قاموس علم النفس: “فالزمن هو كل ما يعيشه كل إنسان شعوريا ويختلف تقديره من شخص لآخر بحسب الحالة النفسية”. وقد ركز الإسلام على الظواهر الزمنية المتعلقة بحياة المسلم كالصوم، قال تعالى: {…فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ…(185)}- [من سورة البقرة]، وقوله تعالى أيضا :{ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)}-[سورة القدر]. وفي آراء العلماء والفلاسفة أن الزمن النفسي يتم النظر إليه من خلال إدراك الذات الإنسانية، وكذلك إدراك الإنسان للزمن، فالزمن يطول ويقصر بحسب الحالة النفسية للفرد وشعور هذا الفرد بأجواء روحانية من عدمها، ونرى المسلمون في شهر الصوم يتمنون عدم انتهاء فترات الصوم وأجوائه المميزة؛ نظرا لما يشعرون به من راحة نفسية وجسمية وأجواء اجتماعية تبعث على التجديد والأمل.
والصوم في معانيه السامية ليس بشعيرة دينية هدفها التخفيف من الوزن وتحسين الصحة وراحة المعدة وفقط، بل لها منظور أوسع وأشمل يمهد لإدراك الوقت وتنظيم العمل ووضع أسس معينة لإنجاز الأعمال الحالية والمستقبلية، وليس كما نرى الآن ارتباط الوقت أثناء الصوم بالتراخي والكسل، والنوم أغلب ساعات النهار، فتنقسم ساعات اليقظة وحتى اليوم، فالصوم نفسه مؤقت بميعاد معين منذ لحظة الإمساك وحتى الإفطار، وتحري ليلة القدر تجعل الفرد المسلم يدرك معنى الزمن وما مر منه وما هو عليه الآن وما ينتظره مما تبقى من الوقت بالإضافة إلى الشعور بقيمة الاستثمار الحقيقي للزمن؛ وبالتالي الحصول على صحة نفسية أفضل.
إن الصوم يربي في الإنسان المسلم الصائم النظرة المعتدلة والإدراك الحقيقي لمنظور الزمن كما يرتضيه المولى عز وجل، وكيفية استفادة الإنسان منه بالصوم، تلك الفريضة التي تربي في الصائم الوعي النفسي بالزمن، والمنظور الانفعالي تجاه الأوقات التي تمر، والتي يعيد فيها المسلم الصائم سُلّم الأولويات وتنظيم العبادات، فننظر لأوقاتنا بارتقاء روحي ونفسي يقابله قيمة للصنيع والعمل، وإدراك نفسي لقيمة الوقت والزمن، يسعى الصائم من خلاله العيش في أجواء وأوقات تغذي جوانبه النفسية والروحية والعقلية؛ فتتحقق لديه جوانب الصحة النفسية والتي تمثل السعادة أسمى معانيها.