2024
Adsense
مقالات صحفية

الشارخ والخوارزميات المفقودة

محفوظ بن خميس السعدي

مَن منّا لا يذكر كمبيوتر صخر عندما كان هكذا يطلق عليه قبل أن يشمّر عن ساعديه رجل الأعمال الكويتي الفذّ بتعريب لغة الكمبيوتر بوضع اللغة العربية إحدى أهم اللغات الرئيسية في الحواسيب الآلية، وطبعاً صاحب هذه اللمسة الفنية الذي وُلد في عام 1942م وتوفّي منذ أيام في السادس من مارس الجاري هو محمد عبد الرحمن الشارخ رجل أعمال كويتي عمد إلى تأسيس شركة صخر لبرامج الحاسب عام 1982. يُنسَب إليه الفضل في إدخال اللغة العربية إلى الحواسيب لأول مرة في التاريخ، وتذكر المصادر الموجودة على الإنترنت أن الشارخ قام بإنشاء شركة صخر لتكون شركة كويتية تابعة للشركة العالمية للإلكترونيات التي انتقل مقرّها إلى القاهرة أثناء الأزمة العراقية الكويتية عام 1990، ولهذه الشركة الفضل في التطوير والتحديث للعديد من التقنيات المتقدمة في عالم صناعة تقنية المعلومات. وعلى سبيل المثال لا الحصر: القارئ الآليّ، والترجمة الآلية، والنطق الآليّ.

إلى هنا تجد أن إنجازات الشركة كُتبت في سطور سهلة وبسيطة وفي وقت قصير، ولكن الجهد الذي بُذل، والصّعاب التي اعترضت هذا الإنجاز في ذلك الوقت ذكرها المهندس الرائد محمد الشارخ رحمه الله في برنامج بالمختصر على قناة إم بي سي الفضائية التي تنطلق من دبيّ، حيث عرج بقلبٍ مكلوم وحزين على الاعتراضات الشديدة التي وضعت في طريقه أثناء بناء شركة صخر، وكيف حاول التغلب على تلك العقول المتحجرة آنذاك من أجل إقناعهم بأن الجيل القادم جيل التقنية والحواسيب. طبعاً ونحن نكتب هذه السطور نستشفّ مدى الألم الذي يعتصر كل صاحب فكرة مبتكرة ومبدعة ويتم رفض تلك الفكرة رغم ثقته بها وباقتناع بأن هذه الفكرة ستعود بفوائد عظيمة على الفرد والمجتمع والانسان، وذكر أيضاً رحلة البحث المضنية عن التبني والتمويل لهذا المشروع الذي ساق البعض حججه غير المنطقية بأن الوطن العربي غير مهيّأ لهكذا تطور.

بكل أمانة وصدق إن ما جرى للشارخ من تحديات وصعوبات أثناء القيام بتعريب الحاسب الآلي كفكرة مبتكرة ضمن بحر من اللغات يحدث الآن فعلياً.

فالزمن يعود بنا إلى نفس اللحظة التي كابد فيها محمد الشارخ الصعوبات والإشكاليات والمشاكل في إقناع العالم العربي والإسلامي بأن ثمة خوارزمية مفقودة ألا وهي حاسب آلي يتحدث العربية بطلاقة، وقد سُمّيتْ الخوارزمية بهذا الاسم نسبةً إلى العالم أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي الذي ابتكرها في القرن التاسع الميلادي، وهو مسلم عربي، بمعنى أن العرب رقم صعب في معادلة التكنولوجيا الحديثة.

وبالعودة إلى حديثنا عن الخوارزمية المفقودة سنجد أن العالم العربي والإسلامي خارج سباق صناعة التقانة العالمية بدءً من الحواسيب الآلية إلى الإنترنت وتطبيقاته الذكية، وصولاً إلى الذكاء الاصطناعيّ في العصر الحالي، فلا نجد صناعة عربية خالصة في سباق التقنية، وأن ينبري أشخاص من أمثال الشارخ في بناء جيل ليس مستهلك للتقانة الواردة علينا من الغرب الصناعي إلى المشرق والمغرب العربي والإسلامي، بل صُنّاع لهذه التقانة ولديهم بصمة وعلامة بارزة في الإنجاز الكوني للإنسان، وكمنجز بشريٍّ خالص وليس كمنجز قُطري أو إقليمي فقط.

وهنا نجد أن العالم بدأ يتجاوز مرحلة ما يسمى دول العالم الثالث أو الدول النامية أو الجنوب الفقير، وبالتالي الدعوة التي أطلقها جلالة السلطان يحفظه الله أثناء زيارته للهند، وذكر المقام السامي لكلمة صوت الجنوب العالمي، لعمري جاءت في محلها وفي توقيت مثالي على اعتبار أنها قمة دعت لها جمهورية الهند لتجمع دول الجنوب معاً لتوفير فرص عادلة ومستدامة لشعوب تلك الدول، ومن ضمنها فرصة عادلة في إبراز الصناعات القادمة من الجنوب باتجاه الشمال، والعمل على إيجاد حملة تصنيع عالمية تكون فيها هذه الدول رقماً صعباً يُشار إليها بالبَنان، فلمَ لا يكون الصراع على إيجاد مصانع متعددة لإنتاج سلع متنوعة مبتكرة، وفتح أسواق جديدة لها؟ فتلك المصانع تساعد على الحدّ من الأيادي العاملة المهدرة، وتستغل العقول النابغة في الصناعة وفي الكيمياء والفلك، وفي الهندسة، والعمارة ، وكلّ صنوف ومجالات العِلم المختلفة، لتعكس بذلك واجهة حضارية لشعوب تلك المنطقة بأنها شعوب تصنع أكثر مما تستهلك، وبالتالي نتحصل على هذه الخوارزمية المفقودة في العالم العربي والإسلامي. أما عن الخوارزمية المفقودة الأخرى فهي تأتي تحت شعار: كفانا من السماح للتوافه بغزو عقولنا وفكرنا من خلال ما يُعرف بمشاهير ومروّجي التواصل الاجتماعي، هؤلاء يتم الاحتفال والاحتفاء بهم وجلبهم في كل محفل وكأنهم رموز نفتخر بهم، بينما لا بدّ من الاحتفاء بأمثال محمد الشارخ رحمة الله عليه كأيقونة عربية وإسلامية في عالم التقانة، وننساهم ولا نتذكرهم إلا عند موت أحدهم، لماذا لا يتم الصراع من قِبلنا على إبراز النوابغ والمبتكرين من أبناء جيلنا والأجيال السابقة؟ بدلاً من التركيز بشكل منهجيّ ورسمي على مجموعة وضعت التوافه أمام سمع وبصر الجميع عبر وسائط التواصل الاجتماعي، بينما ننسى من وضع بصمة صخر كأول كمبيوتر عربي وإسلامي، فلمَ لا يكون التنافس على هؤلاء بدلاً من الالتفات إلى مجموعة تذوي وتذوب مع الأيام دون أن يكون لها ذِكر.

فالبوصلة لديهم دائماً تتّجه نحو الاتجاه الخاطئ وليس نحو الاتجاه الصحيح. والأصوب وهو اتجاه خوارزمية القدوة المبتكرة والنابغة للأجيال القادمة، فعلينا البحث عنها وتفعيل خوارزميتَي الصناعة والقدوة النابغة في مجتمعنا.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights