2024
Adsense
مقالات صحفية

الصوم وتعديل السلوك

د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي

السلوك هو كلّ ما يصدر عن الإنسان سواء أكان داخلياً أو خارجياً، وتعديل السلوك معناه: استبدال سلوكٍ سلبيٍ غير مرغوب فيه إلى سلوكٍ آخَر إيجابيّ؛ من أجل الوصول إلى مكانةٍ أفضل، مقبولة لدى الأفراد والمجتمع المحيط.

والعبادات في جوهرها عبارة عن صلة بين العبد وربّه؛ هدفها التقويم والتعديل للأفضل، وتحمِل الأفراد على التغيير والتطوير في أنفسهم؛ حتى يكونوا أفراداً صالحين نافعين لأنفسهم ومجتمعاتهم، ومن بين أهم هذه العبادات عبادة الصوم.

فالصوم كعبادة وفريضة تؤدي دوراً مهماً وفعّالاً في إحداث التغيير المطلوب كإجراءٍ سلوكيّ للأفضل، ويؤكد الصوم على إمكانية ودافعيّة التغيير في العادات والأعراف والسلوكيات ككُلّ، وهو مرتبط بالجانب الأخلاقيّ ارتباطاً وثيقاً كداعم وأساس في التغيير الذاتيّ والاجتماعي، وقد اعتاد عليه المسلمون من العام للعام وبينه، كفريضة منتظَرة عرفتها الأمّة، فقد كان الصوم في سلوكهم فكانوا ينتظرونه ستة أشهر ويودعونه ستة أشهر للحدّ الذي أصبح جزءً من سلوكهم، بل ومقوّماً لهذا السلوك، ومنهجاً يربّي أنفسهم ويعدّل من سلوكياتهم، ويبعدهم عن الانحراف.

إذاً، فمهمة الصيام كما يولد وراءه من آثار تربوية وسلوكية هي التعديل والتغيير بصدق وإخلاص، وفي كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي المقولة المعروفة: “النفس إذا لم تمنع بعض المباحات طمعت في المحظورات”. وفي ذلك دلالة على ضرورة كبح جماح النفس ورغباتها. وقياساً على ذلك يمكن استخدام العديد من الفنيّات السلوكية التي يعلّمنا الصوم إياها كالتجاهل وصرف الانتباه ووقف الأفكار السلبية والحوار الذاتيّ والتدريب على حلّ المشكلات والاسترخاء، وهذه الفنّيات التي يزرعها الصوم في الصائمين قاهرةٌ لكل محبة نفسية سلبية، والصائم يتركها حُبّاً وطواعية؛ تعديلاً لسلوكه، عالِماً بأنه يكون في حالٍ لا يطّلع عليه سوى الله عزّ وجلّ، فيصير سلوك الترك طوعاً ومحبة لله، وتقديماً وقهراً لمحبوبات النفس؛ فيحقق سلوكاً إيجابياً من أسوأ القول لأطيبه، ومن أسوأ الفعل لأحسنه، ومجاهدة النفس وضبط التصرفات وتقوية الإرادة اللازمة للتغيير السلوكي إلى الأفضل.

ومما سبق يتبين أن الصوم فرصة لزرع بذور التعديل السلوكي للكبار والصغار، وتقوية وتقويم السلوك، والاستفادة من هذه المدرسة التي شعارها:
الصوم تقويم وتعديل السلوكيات غير المرغوب فيها، وإحلالها واستبدالها بسلوكيات الصائمين الداخلية والخارجية، وتصحيح الأخطاء والمسار إلى ما يحبه الله ورسوله، وبذلك نجد أنفسنا أمام أفراد يتّسمون بالسلوكيات الحسنة والحميدة، والتي ينتقل أثرها بالتبعية إلى الأبناء والذرية فيتعدل ويتحسّن السلوك، وترتقي النفوس.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights