نفحات رمضان تلوح بالأفق
أسماء بامخالف
شهر رمضان المبارك هو شهر الخير والغفران والبركات التي تكثر فيه الحسنات؛ فهو من أجمل الشهور الهجرية، شهر مليء بالخيرات، يتبادل فيه الناس التهنئات والمحبة، حيث يتميز بالأجواء الروحانية؛ منها صلاة التراويح، وتزيين الشوارع. ويتميز أيضا شهر رمضان المبارك عن باقي شهور السنة بالجو الروحي الذي نجده في صلاة التراويح في المساجد، ومناجاة العبد لربه بالاستغفار، حيث يتوق المسلمون لختم القرآن في شهر رمضان، وتتجمع العائلات على مائدة الإفطار؛ وهذا يقربهم من بعضهم البعض ويزيد المودة والمحبة، فهو حقا شهر اللطف والإحسان.
وكلمة رمضان مفرد، والجمع: رَمَضانات وأرمضاء وأرمضة ورماضين، وأصل كلمة رمضان جاءت من الأصل «رمَض» وهي شدة الحر، حيث كانت تسمية رمضان في وقتٍ جاء فيه شديد الحر فأُطلق عليه هذا الاسم. والاسم متطابق مع طبيعة هذا الشهر عند المسلمين، حيث أن جوف الصائم يشتد حره من شدة الجوع والعطش؛ فيكون جوفه رمِضا. ويختلف نطق كلمة رمضان من لغة أو دولة إلى أخرى فبعض الدول مثل إيران، وبنجلادش، وباكستان وتركيا تستبدل حرف «ض» لينطق «ظ».
وكذلك اسم رمضان لم يكن مقتصرا على الإسلام، ولم يوجد الاسم فقط بعد بعثة النبي محمد ﷺ، فالاسم كان موجوداً منذ الجاهلية، حيث كان الناس يسمُّون أشهر السنة حسب وقت وقوعها في الوقت الذي تمت فيه التسمية أو حسب نوع الشهر. فمثلاً شهر ذي الحجة: سُمِّيَ كذلك لأن يكون فيه موسم الحج ويحج المسلمين فيه، وشهر ربيع الأول: سُمي كذلك لأنه وقع وقت تسميته كان في فصل الربيع؛ وهكذا.
لذلك تعددت أقوال أهل اللغة وتباينت الآراء في اسم شهر رمضان وسبب تسميته بذلك هو:
– أنّه كان موافقاً للحرّ الشديد عندما نُقِلت أسماء الشهور من اللغة القديمة.
– ما فيه من حرق لذنوب العبد ومعاصيه، أي يغفر الله لعبده فيه.
– أنّ جوف الصائم يشتد حره فيه من شدة الجوع والعطش.
– لأن قلوب العباد تخشى ربها فيه فتأخذ فيه من حرارة الموعظة والفكرة في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر الشمس.
– لأنه يرمض الذنوب، أي يحرقها بالأعمال الصالحة، فكلمة (رمضان) مصدر لـ (رمض) إذا احترق. أو من مُنطلق غسلها بالأعمال الصالحة، فقد قالوا أنه مأخوذ من الرميض، وهو السحاب والمطر في آخر القيظ وأول الخريف، فسمي رميضاً لأنه يدرء سخونة الشمس، وهكذا رمضان يغسل الأبدان من الآثام.
– لأن العرب كانوا يرمضون أسلحتهم فيه – أي يحشدونها ويجهزونها- استعدادا للحرب في شهر شوال.
وقد ذكر «ابن دريد»: لما نقلت أسماء الشهور عن اللغة القديمة، سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر شدة الحر، وقيل بل لأن وجوب صومه صادف شدة الحر، وقيل الصوم فيه عبادة قديمة فكأنهم سموه بذلك لارتماضهم فيه من حر الجوع ومقاساة شدته، كما سموه (ناتقًا) – ذكر ذلك الماوردي والزمخشري وغيرهم- لأنه ينتقهم أي يزعجهم بشدته عليهم، والقول بأن رمضان مشتق من الرمض أي الحر، حكاه كذلك الأصمعي عن أبي عمرو. ونحوًا من هذا قولهم في سبب تسميته: لأن القلوب تأخذ فيه من حرارة الموعظة والفكرة في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر الشمس والرمضاء الحجارة المحماة.
في حين ذهب فريق في عدم وجود علاقة بين رمضان والحرّ الشديد؛ ذلك أنّ رمضان هو أحد الأشهر القمرية لا الشمسيّة؛ فهو ينتقل بين فصول السنة من ربيع، أو خريف، أو صيف، أو شتاء، ولا ينحصر مجيئه في فصل الصيف فقط؛ أي مع اشتداد الحرّ؛ فالرمضاء التي هي أصل كلمة رمضان يُقصَد بها اشتداد حَرّ الظمأ، لا اشتداد حَرّ الشمس، ويكون العطش في فصول السنة جميعها مع وجود الصيام، ولا يقتصر على الصيف فقط، وهذا الأرجح حيث كان قبل الإسلام يسمى «تاتل» ومعناها شخص يغترف الماء من بئر أو عين، وهذا يدل – كما يقول العالم محمود الفلكي – على أن هذا الشهر كان من شهور الشتاء كما يدل عليه اسم آخر له، هو «زاهر»، وقيل في هذه التسمية: إن هلاله كان يوافق مجيئه وقت ازدهار النبات عند العرب في البادية في الجاهلية الأولى، ولا يكون الزرع مزدهرًا إلا إذا وجد المطر.
وله العديد من المسميات والتي تذكر في الكثير من البلدان العربية والتي تتمثل في جوهر هذا الشهر، وتلك الأسماء:
شهر الله، شهر الصبر، شهر الصيام، شهر الإسلام، شهر الطهور، شهر التمحيص، شهر القيام، شهر نزول القرآن، شهر الغفران
ويبدأ شهر رمضان عند الإعلان عن بداية الشهر القمري الجديد، وذلك إما بثبوت رؤية الهلال في اليوم 29 من شعبان؛ وعليه يكون اليوم القادم هو أول أيام رمضان، أو في حال عدم ثبوت رؤيته يكون اليوم القادم (اليوم 30) هو المتمم لشهر شعبان وبعده يكون أول أيام رمضان، وتبلغ مدة الشهر 29-30 يومًا، ينتهي أيضًا بثبوت رؤية الهلال، وعند انتهاء رمضان يحتفل المسلمون بعيد الفطر.
ويعتبر شهر رمضان هو الشهرُ التاسعُ في التقويم الهجري والذي يأتي بعد شهر شعبان، ويعتبر هذا الشهر مميزًا عند المسلمين وذو مكانة خاصة عن باقي شهور السنة الهجرية، فهو شهر الصوم الذي يُعدّ أحد أركان الإسلام، حيث يمتنع المسلمون في أيامه عن الطعام والشراب (الإ من كان له عُذرٌ مُباح)، وأيضًا عن مجموعة من المحظورات التي تبطل الصوم من الفجر وحتى غروب الشمس.
كما إن لشهر رمضان مكانة خاصة في تراث وتاريخ المسلمين؛ ففيه بدأ نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وذلك كان في ليلة القدر من هذا الشهر، ثم نزل بعد ذلك في أوقات متفرقة في فترة نزول الوحي حيث كان النبي محمد ﷺ في غار حراء عندما جاء إليه جبريل عليه السلام وقال له: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ١﴾ [العلق:1]، وكانت هذه هي الآية الأولى التي نزلت من القرآن، والقرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر جملة واحدة، فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا في رمضان، ثم كان جبريل عليه السلام ينزل به مُجزئًا في الأوامر والنواهي والأسباب، وذلك في ثلاث وعشرين سنة، كما تعني ليلة القدر “ليلة القدرة والقوة” أو “ليلة المصير المقدر،”و هذه هي الليلة التي يعتقد المسلمون أنها قد واكبت نزول أول الوحي من القرآن وصولا إلى محمد ﷺ مشيرا إلى أن هذه الليلة كانت “أفضل من ألف شهر [العبادة الصحيحة]، كما جاء في الآية الثالثة من سورة القدر من القرآن، وتكون في العشرة الأيام الأخيرة من رمضان.
كما أيضًا أرتبط شهر رمضان في الدول الإسلامية بالعديد من الشعائر الدينية مثل: صلاة التراويح والاعتكاف في العشر الأواخر، وأيضًا العديد من العادات والتقاليد مثل دعوة الآخرين على الإفطار وإقامة موائد للإفطار،و التصدق على المحتاجين، كما يوجد العديد من المظاهر التراثية التي ارتبطت بهذا الشهر مثل: الفانوس والزينة ومدفع رمضان، وأيضًا شخصية المسحراتي والحكواتي، ومأكولات وبعض الحلوى والتي يتم تناولها عقب الإفطار.
وكذلك للصوم فوائد عديدة، ومن فوائده أن يعرف العبد نفسه وحاجته وضعفه وفقره لربه، ويذكره بعظيم نعم الله عليه، ويذكره أيضًا بحاجة إخوانه الفقراء فيوجب له ذكر شكر الله سبحانه، والاستعانة بنعمه على طاعته، ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان إليهم، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه الفوائد في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}- [البقرة:183]،
وبعد أن تعرفنا عن مزايا وفوائد شهر رمضان أيها القارئ العزيز؛ أقول لك بأن شهر رمضان المبارك أفضل الشهور على الإطلاق، وقد خصّ الله -سبحانه وتعالى- هذا الشهر بمزايا عديدة، وجعل الأجور فيه مضاعفة، وقذف حبّه في قلوب العباد، فالمسلمون في كل بقاع الأرض يبتهجون لقدوم هذا الشهر العظيم، ويتجهزون لاستقباله بشتّى الوسائل والطرق، ويفرحون بالعيش في ظلاله، فصيام رمضان ركنٌ من أركان الإسلام، وهو فرض على المسلمين. ويسمّى شهر رمضان بشهرِ القرآن؛ ففيه أُنزِل على رسولنا الكريم محمد ﷺ وكان يتدارسه مع جبريل -عليه السلام- في ليالي رمضان المباركة، ويُطلق عليه أيضا شهر القيام، لأنّ هذه العبادة تكثُر فيه. ويوجد حرص كبير من المسلمين على الحفاظ على قيام كلِّ ليلة في رمضان؛ وذلك رجاءَ كسبِ الأجر العظيم، ويتسابقون على الإكثار من الطاعات، والإقبال على الله -عزّ وجلّ- بقلوبٍ مُخبتة؛ ليُكرمهم الله -سبحانه وتعالى- بالعتق من النيران، وذلك في كلِّ ليلة من لياليه.
وها نحن مقبلين على شهر عظيم مبارك، ألا وهو شهر رمضان، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطيات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، فصامه المصطفى ﷺ وأمر الناس بصيامه، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من صامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم، فاستقبلوه بالفرح والسرور والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه والمسابقة فيه إلى الخيرات، وفي الصيام فوائد كثيرة وحكم عظيمة، منها تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة كالأشر والبطر والبخل، وتعويدها للأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب اليه.
لذلك عزيزي القارئ يجب عليك أن تغتنم أيامه ولياليه، وعسى أن تفوز برضوان الله، فيغفر الله لك ذنبك وييسر لك أمرك، ويكتب لك السعادة في الدنيا والآخرة، وجعلنا الله وإياكم ممن يقومون بحق رمضان خير قيام.