الذكاء الاصطناعي، مستقبلٌ واعد؟ أم خوف متصاعد؟
د. سعود ساطي السويهري
شغَلَ مفهوم الذكاء البشري حيّزاً كبيراً في البحث، وظلّ وقتاً طويلاً محلّ اهتمام العديد من الباحثين والمختصين وغير المختصين؛ من أجل زيادته وترسيخه في عقول الأبناء والنشء والدارسين وغيرهم. كما نسمع كثيراً – في الآونة الأخيرة – عن مصطلح الذكاء الاصطناعيّ، فماذا يعني هذا المصطلح؟ وما هي تداعياته؟ وكيف يكون حاله ومآله في الوسط البشري الذي نعيش فيه في الوقت الحالي والمستقبلي، وارتباطه بالعديد من الجوانب النفسية كالخوف والتخوف وقلق المستقبل القلق من المجهول؟
يعني الذكاء الاصطناعي – ببساطة شديدة- نظاماً علمياً وتقنياً يضمّ آليات عملٍ تكنولوجيّة معيّنة؛ تهدف إلى إنتاج آلةٍ لها من القدرة على نمذجة ومحاكاة ذكاء العقل البشري، واستخدامها في حلّ المشكلات المعقّدة والمسائل الحسابية والذهنية الأكثر تعقيداً، والذكاء الاصطناعي وليد الدمج بين عِلم السلوكيات والعصبيات وعِلم التقنيات المعلوماتية الحديثة.
ويأخذ الذكاء الاصطناعي دوراً يجنّب فيه الدّور البشريّ للكثير من الأعمال والمهام، فيأخذ دور الإنسان بما يمتلكه من عقلٍ وتعقّل وإحساس وشعور وتفكير عند اتخاذ أيّ قرار معيّن، بعد دراسة حيثياته، بل والتنبؤ به مستقبلاً، ولك أن تتخيل – عزيزي القارئ- بأن هذا النوع من الذكاء له القدرة على الاستدلال عن طريق إدراك وتحليل العلاقات بين الأشياء والمفاهيم، واستخدام الذاكرة واسترجاع المعلومات منها، فنرى الروبوتات التي تقوم مقام الإنسان في العديد من المجالات الطبية والعسكرية والصناعية وغيرها، وكيف لا؟ ولا عجب من التخيّل! وهو مستوحى في تصميمه بشكلٍ مركزيّ من أعصاب الدماغ البشري. ونستنبط مما سبق أن الذكاء الاصطناعي ذكاء تبديه الآلات والبرامج المختلفة لأنماط عمل الدماغ البشري، بما تحويه من آليات وقدرات ذهنية، وقدرة على التعلم وردود الأفعال والقيام بسلوكيات ذكية.
ولكن لنناقش هذا الموضوع الحيويّ من وجهة نفسية، والتي يمكن صياغتها في العديد من الأسئلة أو التساؤلات الشخصية على الأقل، وهي:
هل لهذا النوع من الذكاء جوانب تخص الإحساسات والمشاعر والأخلاقيات، وخصوصاً اتخاذ القرارات حيال الجوانب الروحية والروحانية السامية، والرحمة والعفو والتسامح والرأفة، إنّ هذا النوع من الذكاء بلا شكّ يعمل وفق مجموعة من البيانات المخزنة سلفاً، والتخوف هنا من اعتماد وسيطرة هذه الآلات على آلية العمل البشري والقانوني والنفسي والأخلاقي للنفس البشرية التي لا يعلم خباياها إلا الله، نحن نؤمن بأن لكل شيء حدود وقدرات مهما بلغ وارتقى، فلا يستطيع الذكاء الاصطناعي مثلاً تأمُّل هذا الكون المعقد، ولا يستطيع أن يزايد عن معلومات خزّنها له البشر في حدود قدراتهم وإمكانياتهم، فلا يستطيع مثلاً الإجابة عن أسئلة قد حيرت البشرية.
وينبغي الإشارة هنا إلى أنه لا يمكن ولا ينبغي التقليل من قيمة العلم والاختراعات، وإنما المراد هنا هو ضرورة التوظيف الأمثل للتكنولوجيا والتقنيات الحديثة بما لا يلغي الفطرة الإنسانية والطبيعة الربانية، والكرامة الإنسانية، فلا يُتخيل مثلاً أن تقوم الآلة مستقبلاً بالحكم على الإنسان وتحديد مصيره وحريته، وفي هذا الصدد فقد ورد على لسان الباحث في الذكاء الاصطناعي “آرنيد هيتنز” حينما سُئِل عن مخاطر الذكاء الاصطناعي مستقبلاً، فأجاب: “تصادقني غالباً فكرة التخوف من نتائج الذكاء الاصطناعي، والخوف من المستقبل المجهول، وكذلك الخوف من سوء الاستخدام، والتخوف من الأولويات الاجتماعية الخاطئة”، كما أنه إذا استمر هذا الأمر في تطور وتحسُّن وتجاوز حدّ الذكاء البشري، فهل سيتم الاستغناء وعدم الحاجة للجنس البشري؟ أو قد يأتي الوقت الذي لا يستطيع فيه الإنسان السيطرة على زمام الأمور، والمجازفة بتخطّي قدراته من هول رغبته في أن تلعب الآلة الدور الأساسي في الحياة وتفوّقها على الإنسان؛ بما قد يأتي بنتائج عكسية على البشرية، والخوف من المستقبل الذي قد يُساء فيه استخدام الإمكانيات التكنولوجيّة التي قد تتسبب في هلاك الإنسان.
والخلاصة تكمن في دراسة الجوانب الإيجابية، بما يحقق الاستفادة من مثل هذه المستحدثات، مثل استثمار الذكاء الاصطناعي كوسيلة تعليم وتعلّم مساعدة للتدريب على عادات العقل البشري والسلوكيات الذكية المعرفية منها والوجدانية، وتفيد ذَوي القصور في هذه النواحي، بالإضافة إلى تبنّي نظام مشترك عالميّ صارم لدراسة الحال والمآل لمثل هذه المستحدثات، ودراسة تأثيرها على الإنسان ونفسيّته واجتماعيّته ومستقبله البشري المُحكم والمكفول.