التجاهل صدقة جارية على فقراء الأدب
خميس البلوشي
التجاهل في بعض الأحيان كالنسيان المتعمد، يظلّ خيارًا يتخذه بعضنا أو كثير منا، وغالبًا ما يرفع راية الغياب والتنكر في عالم ينبغي أن يكون به سيرورة التواصل جملة وتفصيلا وتفاعلا في سياق الأدب الموروث في أدبنا العربي وأصالتنا العربية، ويمكن اعتبار “التجاهل” صدقة جارية على فقراء الأدب، مثل ما ذكرها الأديب “جبران خليل جبران”؛ فهو يمثل تجاوزًا عن التعبير الفني في سياق المدلولات الأدبية الجمالية الذي يمكن أن يسهم في إغناء حياة القراء والمثقفين.
إن تجاهل كثير من الكتّاب والأدباء وأعمالهم يُعَدُّ عملية تفتيت للفضاء الأدبي ومداولاتها، حيث يختفي عنصر الجهد الأدبي بنمطه الإبداعي خلف ستار التجاهل والإهمال؛ فتتحول النصوص الأدبية التي تفتقر إلى التقدير لقراءتها إلى فقيرة، وتبقى عالقة في زمن الرمزية، لا يُلقى فيها الضوء على جمالها وروعتها؛ فهكذا يصبح التجاهل والتغافل تبرعًا بالعتمة لفقراء الأدب، حيث يفتقرون إلى التقدير والاحترام والفهم اللواتي تسهم في ترسيخ قيمة الكلمة المكتوبة في نثرها وشعرها.
مع هذا كله، يجدر بنا أن نتسائل: هل يعكس التجاهل وهمية الأمر أو حقيقة ما؟ فقد يكون خلف الكلمات التي تكتب على هيئة شعر أو نثر تُهمل قصتها، ولا يمكن تقديرها بدقة إلا بمعاودة النظر إليها مرات ومرات. إنه في تلك اللحظة يتجلى الصدى الصامت للكتّاب المتجاهلين أو القراء العمي عن مدلولات الكلمة، حيث تحمل أفكارهم وكلماتهم وجواهرهم النائمة عبقًا يمكن أن يستفيق في أي لحظة…
بعد كل هذا، يبقى الأدب فنًا جميلاً ينتظر استقباله واستكشافه بقلب مفتوح ولهفة تغمر، فالتفاعل مع الأدباء وأعمالهم يشكل تعبيرًا عن الاحترام للعقول المبدعة لأعمالهم الإبداعية. إذاً، يجب علينا مقاومة فقر الأدب بالتفاعل والاستمتاع بما يكتبون، ولنجعل الكتب والقصص والأقلام تنبت حدائق جمال في عقولنا؛ فالتجاهل ليس سوى نقيض الثراء الأدبي، وكذلك التجاهل صدقة جارية على فقراء الأدب.. فهناك أشخاص يستحقون الاحترام لأنهم حتى في أشد ظروفهم، عندما يكون مزاجهم سيئا يحادثونك بأدب واحترام، وهنالك أشخاص يستحقون التجاهل ليتعلموا الإحترام؛ لأن اهتمامك بهم لا يزيدهم إلا تكبرا؛ فلا تعطي اهتمامك إلا لمن يستحق.