رحلة في رحاب الخلود
خميس العيسائي
في رحلةِ الحياةِ، نصادفُ أشخاصاً يتركونَ بصمةً عميقة في قلوبنا، وأثراً محفوراً في ذاكرتنا، وتصبح ذكراهمْ نبعاً للحبِّ والحنان.
مِنْ هؤلاءِ كانتْ عمتي زوينة، تلكَ المرأة العظيمة التي رحلتْ تاركةً فراغاً لا يُملأُ، وإرثاً منْ الحكاياتِ الجميلةِ التي ما نزالُ نتداولها ونسردها لأولادنا كحكاياتٍ قبل النوم.
كانتْ عمتي زوينة أوْ أمي كما أحببتُ أنْ أناديها دائماً، كنزاً منْ الحكمةِ والحب، تغدق علينا منْ عطائها دونَ مِنّةٍ، وتنير دروبنا بدعواتها الصادقةِ.
تذكرُ ذاكرتي طفولةً جميلةً في حضنِ عمتي، عندما تأتي لتنامَ معنا، في حالةِ غياب أمي أوْ مرضها، لمْ تكن الكهرباءُ قدْ وصلتْ بعد إلى قريتنا المطلةِ على أشجارِ النخيلِ، ولمْ يكنْ نومنا في ليالي الصيفِ إلا على أسطحِ المنازلِ حينها، حيثُ كانتْ تسردُ لنا حكاياتها الممتعةِ، والتي تسافرُ بنا إلى عوالمَ سحريةٍ، وكأننا أحدُ أبطالِ تلكَ الحكاياتِ، ونحنُ نطالبها بالمزيدِ منْ تلكَ الحكاياتِ وخاصةَ بعدَ أنْ تقول: (يكفيكمْ اليوم، ناموا لكي تستيقظوا لتصلّوا الفجر).
ما زلتُ أتذكرُ ضحكاتها المعلقة تنيرُ أيامنا، وحنانها يدفئُ قلوبنا، ورغم قسوةِ الزمنِ التي تبدو على ملامحها، إلا أنَ ابتسامتها لا تفارقُ مُحيّاها أبداً، كانتْ كثيراً ما تمازحنا بكلماتها وكأنها صديقةٌ لنا وليستْ عمة تفوقنا بعشراتِ السنينَ، لمْ تكنْ عمتي مجردَ عمةٍ، بلْ كانتْ أمّاً ثانيةً لنا، تهتمَ بأمورنا، وتساعدنا في حلِ مشاكلنا، وتشاركنا أفراحنا وأتراحنا، وتقدم لنا النصيحةُ. تذكرُ ذاكرتي كيفَ كانتْ عمتي تعلمنا القيم والأخلاق، وتربينا على حبِ الخيرِ والمساعدةِ، وتشجعنا على السعيِ لتحقيقِ أحلامنا مهما كانتْ العقبات.
رحلتْ عمتي العظيمةُ وخلّفتْ لنا إرثاً منْ الحكاياتِ والتفاصيلِ الجميلةِ التي ستبقى عالقةً في أذهاننا وقلوبنا، حيثُ يبقى الامتنانُ خالداً رغم الأحزان.