ليلنا طال، أنّى لنا بصبحٍ؟
ناصر بن خميس الربيعي
استمرّ سطوع الشمس على الإسلام قرابة ستة قرونٍ، بعدها بدأت السُّحب السوداء تُغطّي سماءه منذ تحركتْ جحافل الصليبيين نحو الشرق، لترفع الظلم عن مقدساتها كما زعموا في حديثهم، ولكن سرعان ما تعود الشمس لتدفئ عالمنا الإسلامي بنورها، فتدفع هذه السُّحب السوداء بعيداً، إلا إنها تأبى المضيّ، وسرعان ما تكتُم على أنفاسنا من جديد، وكأنها أحبّت الإقامة بيننا.
في تلك الحقبة من الزمن اتخذوا من الدِّين ستارةً تُغطّي أهدافهم المريضة ليصدوا الناس عن ذِكر الله، أمّا اليوم فقد فسخوا عباءة الحياء، وصاروا يجاهرون بأهدافهم الموبوءة التي جعلت من عالم العصر الحديث غابةً يسودها قانون الغاب؛ فالقويّ فيها يأكل الضعيف، والمنتصر يستأثر بكلّ الحياة، وخصمه ليس له إلا التسليم بما حدث وانتظار الفرج.
منذ استأنفت الدول الأروبية بحثها عن ثروات العالم في الشرق في عصرنا الحديث، ونحن نعيش التعاسة أشكالاً، فهل لنا بيومٍ نتخلّص فيه منهم؟ ننتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر، الذي نكون فيه وحدةً واحدةً نخشى على بعضنا بعضاً، ونألم لِمَا يصيب الآخر مِنّا.
بدأت الدول الأروبية بحثها المستميت عن الثروات في العالم الإسلامي والشرق منه بالتحديد بالغزو العسكريّ، حيث شهد عالمنا الإسلامي الغزو البرتغاليّ والإسبانيّ، تلتها فلول البريطانيين والفرنسيين والهولنديين، وذلك في القرن السادس عشر الميلادي حتى يومنا هذا، إلا أن هذا الغزو غيّر هيأته، وبقيت أهدافه كما هي، الحصول على الثروات ومنع قيام دولة إسلامية موحدة، أو أيّ ائتلافٍ يهدد مصالح هذه الدول.
بعد معارك عسكرية طويلة خاضتها دول أروبا مع العالم الإسلامي منذ القرن السادس عشر الميلادي وحتى القرن الثامن عشر الميلادي، تيقّنتْ هذه الدول بعدم جدوى الغزو العسكري والاحتلال لهذه الدول، ليغيّروا استراتيجياتهم في الاحتلال، والذي أفرز لنا الرأسمالية، والتي قسّمت فيها دول أروبا عالمنا الإسلامي إلى ممتلكات خاصة للدول المستعمِرة، ليصلوا إلى حلٍّ عادل بينهم يُرضِي جشعهم ويقضي على آمال الحياة للشعوب المضطَّهَدة المقهورة، فكلّ ثرواتنا من الطاقة والممرات المائية بأيدي شركاتهم، والتي تتصدق علينا بفُتات وبقايا الأرباح.
والمتأمل في السياسات الأروبية الأمريكية الحديثة، يجدها اليوم تفقد سيطرتها على العالم بعد انتشار الوعي بين عامة الناس في مختلف دول العالم، والذين أدركوا ما يُحاك لهم من دسائس وفِتن، ليبقوا متفرّقين غارقين في الخلافات المحلية التي زرعَتها هذه الدول بينهم، وما نشهده اليوم من محاولات في الشرق والشرق الأقصى لكسر هذا الطوق الذي أفرزته هذه السياسات المقيتة، إلّا دليلاً على الوعي المتنامي في هذه الدول المسلوبة الإرادة السياسية.