ليلة الدخلة
جابر حسين العماني
Jaber.alomani14@gmail.com
ليلة الدخلة هي الليلة المباركة التي تتم فيها جميع مراسيم الزفاف، حيث يلتقي فيها الزوجين، بعد توديعهما لحياة العزوبية، فيها يبدأ الشريكان حياة جديدة وفريدة من نوعها، حيث يتقاسمان مسؤولية الحياة الزوجية لإنشاء أسرة صالحة، تكون لبنة من لبنات المجتمع الإنساني، وذلك بالتعاون والشراكة والمحبة والمودة بينهما، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}- [سورة الروم، آية: ٢١].
وليلة الدخلة هي بداية اللقاء الحميمي لتأسيس الأسرة الصالحة والواعية في المجتمع، فما أجملها من ليلة مباركة وسعيدة يرتقبها العازبين والعازبات، للخلاص من الحالة الفردية والتبعية للأهل، وليصبح كل منهما مرتبط بالآخر، لتعزيز دورهما الفاعل لصناعة الكيان الأسري والاجتماعي الجديد في المجتمع.
هنا وفي هذا المقال لا أرغب في الحديث عن الزوجين وما لهما وعليهما من الحقوق والواجبات، وإنما أود التعرض لبعض الظواهر السلبية والمصاحبة لليلة الدخلة، فهناك الكثير من الإشكاليات التي ينبغي الوقوف عندها والالتفات إليها، والتذكير بها، بهدف منعها من التفاقم، والتي باتت مع كل الأسف تشكل ظواهر اجتماعية وسلبية في المجتمع، مما يتطلب علاجها بما يتوافق مع الشارع الإسلامي المقدس والقيم الأخلاقية النبيلة، التي تركها وخلفها لنا الآباء والأجداد، ومن تلك الظواهر التي باتت سببا لإرهاق المجتمع في ليلة الدخلة ما يلي:
• أولا: ظاهرة عدم مراعاة الحجاب الشرعي والعفة والسداد للمرأة في بعض الأعراس، حيث يكثر الاختلاط بين الجنسين في ليلة الدخلة، وهي ظاهرة يجب الوقوف عندها؛ إذ يحصل الكثير من التهاون والتساهل في الحدود الشرعية التي أمرنا الله تعالى بالالتزام بها، فهناك بعض النساء المشاركات في الأعراس يظهرن أمام الجميع بكامل زينتهن، يرتدين الذهب والفضة والملابس القصيرة والضيقة والزاهية واللامعة، كاشفات لشعورهن ولبعض أجسادهن، في محضر الرجال والشباب، وهم في كامل زينتهم وأناقتهم، وهذه الظاهرة لا بد من التوقف عندها، والعمل على معالجتها، وسعي المرأة لرعاية الحجاب الكامل، فليس من السليم للمرأة في ليلة الدخلة وغيرها من المناسبات إبراز مفاتنها للجميع، وليس من الصحيح للرجال مشاركة النساء ومخالطتهن وهن بتلك الأحوال الخاصة؛ بل يجب غض النظر والابتعاد عن تلك الأماكن المختلطة.
وكم هو غريب جداً ما يحصل اليوم في بعض القاعات المخصصة للنساء، حيث تزف العروس إلى تلك القاعات ومعها إخوتها وأبناء عمومتها، يتوسطون النساء الغريبات، والنساء في كامل الزينة والأناقة، وهو فعل لا تتقبله أعرافنا الاجتماعية التي تربينا عليها، إلا في حال تقيدت النساء الحاضرات بالحجاب والعفة والحشمة والسداد، وهذا ما لا يمكن تطبيقه بالشكل الكامل في مناسبات الأعراس.
• ثانيا: ظاهرة استخدام مكبرات الصوت للنساء، حيث تصل أصواتهن الرقيقة للرجال من غير المحارم، مما يسبب ذلك نوعاً من أنواع الإثارة والافتتان لمن تصله تلك الأصوات الناعمة؛ فهناك من النساء من تقوم بالغناء وترقيق الصوت غير مراعية للحشمة والآداب الإسلامية بحجة إنها ليلة في العمر تباح فيها المحظورات.
• ثالثاً: ظاهرة التقاط الصور بالهاتف أو الكاميرات للنساء الحاضرات، والتي تنشر وتسرب بعد ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تحتوي الصور الملتقطة أحياناً بعض من أجزاء جسد العروس، أو إظهار النساء اللاتي لا يعجبهن نشر صورهن وعرضها في مثل تلك الحالات، مما يسبب ذلك الكثير من الإحراجات والفضائح التي ينبغي سترها وعدم نشرها مراعاة لخصوصيات الحاضرين والحاضرات، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ).
• رابعاً: ظاهرة إرهاق الزوجين بالمراسيم الحديثة، وخصوصا الزوجة، حيث تقضي ساعات طويلة في الصالون النسائي للتجميل، وساعات طويلة في جلسات التصوير، فضلاً عن مدة الزفاف وانتظار الحضور لساعات إضافية، وغيرها من الموارد التي تكون سببا لإرهاق الزوجين، في الوقت الذي يفترض تهيئة الأجواء المريحة والمناسبة لهما حتى إذا التقيا في ليلة الدخلة يلتقيان وهما في كامل راحتهما النفسية والذهنية والجسدية، وليس كما ما نراه اليوم لدى بعضهم من تعقيدات تجعل من الزوجين في ليلة الدخلة يعيشان الكثير من التعب والإرهاق الجسدي والنفسي؛ فتتحول ليلة الدخلة تارة إلى مشكلة، وتارة أخرى إلى أمراض نفسية بسبب تلك العادات التي ينبغي تخفيفها على الأقل.
تلك هي جملة من الظواهر والعادات التي يجب علاجها، ومراعاة الأحكام الشرعية فيها، حتى لا تتحول إلى مشاكل اجتماعية وأخلاقية ونفسية يصعب حلها بعد ذلك، وهنا تقع المسؤولية العظيمة على العريسين وأسرتيهما في تنظيم تلك الموارد بالشكل المطلوب الذي يتوافق مع الفكر الواعي، حتى تكون احتفالات ليلة الدخلة والزواج بشكل عام احتفالات تحفظ فيها كرامة الزوجين والمشاركين والمشاركات لتلك الاحتفالات، وتتحقق فيها راحة العريسين بعيداً عن المشاكل والتعقيدات التي عادة ما تتسبب في فشل تلك الأفراح في إقامة الأعراس، بسبب تلك الظواهر التي لا داعي لوجودها في حياتنا الاجتماعية.