أرصفة نائمة
شريفة بنت راشد القطيطية
جئت أنت .. تلتقط أنفاسي المتعبة التي تأوهت كثيرا وأذلها التعب، ولا تدري كم قاسيت لأصل لهذا التمكن في الاعتلال، وكم ربحت جولات وكم كنت قائدا فذا وغطاء رأس، وكم صفق لي التحدي والكدح والصبر، وعلقت مليون ليلة لم ينطق فيها قلبي ولم يبادر ..!!وأسرعت لإمضاء التعدي على ممتلكاته وأوامره وتخليت عنه كثيرا، كان دائما يطرق الباب يريد الخروج للعب وكنت أما قاسية، لم أدعه يشرق حتى وصلت الخامس والعشرين شمعة، أضاءت ما حولها إلا أنا.
قسمت مساري بين ماض متعب ولكنه أجمل، وبين حاضر متعب ولكنه جميل، وإلى مستقبل مجهول يعبئ الأماني في فقاعات الهواء ويتركها للضوء والحرارة واليأس، حركت أصابع الوقت لتلعب في وجهي وترسم مدائن من الياسمين وقوافل من الشغف، وحفنة سمراء من المسك تبقت من طفولة عذبة وبراءة كانت شامخة كالجبال، أيقنت أن المسار معطل وأن صروح الوقت مختلة، هوجاء كليلة ماطرة وأصوات الرياح مخيفة وبعض أرغفتي تطايرت ولم يعد لك قضاء ليلة دافئة وأنت جائع، وقد يقترب منك الفجر ويقرضك بعض قروش لتشتري الحلوى من الباعة المتجولة على أرصفة نائمة.
من يستلم أوراق قلبي ويرتبها بدقة، ويزيل الغبار عن نبضاته ويحن عليه ويطعمه لقمة حب ويترك على جبهته قبلة السلام؟ من يتوسط بيني وبين العمر الذي قضيته في زحام مفرط ومعارك ضارية، ليمسح عني أنين البقاء قوية رغم الصعاب ويعد لي شهدا شافيا ويغلق علي الباب مع الفرح ولو شيئا من الوقت، ولا يعز علي الهناء ولا يبعد طاقتي وجسارتي لنيل المستحيل؟
الراحلون؛ حقائبهم ملأى بالسكون، ولا يعتذرون ولا يسلطون الضوء على حماقاتهم، ولا ينتبهون لجرح سببوه بقصد أو غير قصد، هم هكذا كاسات للزينة لا تُملأ رحمة ولا عذابا، ولا يُوثق لها تاريج إقامة ولا ولادة ولا رحيل، يتعلقون بقوافل ليلية تمر عبر العتمة وتزعجهم الشمس..!!
من يتساقط همة في فناء قلبي ويلتحم بالأوردة، ويشملها لطفا وحنانا ويقظة، ويبحر بأسمائي إلى غيم هادئ ويقطف لي خيالا ذا استطاعة على برمجة العمر، ومقتدرا نفسيا كي يسافر بي إلى أعلى نقطة لراحة البال، ومنهمكا جدا في إرضاء عاطفتي وسجيتي، مختالا برفقتي، يتخذ عالمي نقاء ويدخلني عالما أصيلا لا ترتكب فيه الحماقات ولا الضغوطات، يُلبسني القمر ويترك على مخيلتي سحر الفجر وخلاصة الشفق، هنا نكبر معا ولا نشيخ، ونزرع الأرصفة ورودا لا نريدها نائمة.