جوهر السعادة والطمأنينة في الرحلات الدعوية
سالم بن سيف الصولي
يقول الحق جلّ في علاه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}- (آل عمران، آية:110)، وعَنْ أبي يَعْلَى شَدَّادِ بْن أَوْسٍ عن النَّبيّ ﷺ قَالَ: (الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ)- رواه التِّرْمِذيُّ، وقالَ: حديثٌ حَسَنٌ.
رحلتي إلى مدينة لاهور الباكستانية لحضور المؤتمر الإسلامي السنوي، والذي يُعقد في كل عامٍ مرّة في الثاني من شهر نوفمبر.
الدنيا فُرص فاغتنمها؛ ليكون لك رصيد في الجنة، فالحياة كلها فرص؛ فكيف نغتنم هذه الفرص؟
عن إبن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل وهو يعظه:« اغتنم خمساً قبل خمس:
شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»-رواه أحمد في مسنده.
فالإنسان ينبغي أن يكون في هذه الدائرة حتى يعيش في طمأنينة وارتياح.
إن هذا المؤتمر يُعقد كلّ عام مرة واحدة، ويحضره قرابة مليون نسمة من البشر من أكثر من مائة دولة؛ وذلك لتذاكر أحوال العالم لتبليغ رسالة السماء عن طريق سنّة النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبادة، وتحريض الناس لهذا المقصد الشريف، فالله سبحان وتعالى يقول: {فَقَٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا}-
النساء، آية:(84). فقلوب العباد بين اصبَعَي الرحمن يقلبها كيف يشاء؛ فالكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانيّ؛ أيّ العاقل هو الفطن الذي يحبس نفسه ابتغاء رضوان الله تعالى، فالمؤمن يعيش في الدنيا بين الخوف والرجاء، فالحياة الحقيقية ليست هنا؛ بل الحياة الحقيقية تبدأ بعد الرحيل من هذه الدنيا. لهذا المقصد نتعرف عن قرب على أحوال المسلمين عبر أخذ الأحوال من المشايخ والعلماء الذين حضروا هذا المؤتمر؛ فمن مقاصد الاجتماع والمؤتمر هي كما يلي:
١ – لقاء المسلمين فيما بينهم في تدارس علوم الدين، وما وصلت إليه أوضاع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
٢ – التقاء المسلمين؛ وذلك لفهم معنى الدين، وتقديم المشورة على حسب أحوال الناس في العالم.
٣ – تأثير الهمّ والحزن على الناس والتوجيه وذلك بسبب نقصان الفهم لمعاني الدين في حياة المسلمين.
٤ – كيف يحمل المسلم أمانة التبليغ لدين الله في مشارق الأرض ومغاربها.
٥- كيف يرتقى المسلم بفكره ويبلغ مقصد ما كان عليه الصحابة الكرام في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
٥ – تعلم التضحية لأجل تبليغ دين الله؛ وهذا في حد ذاته يستدعي عدة أشياء، ومنها؛ تأخير احتياجاتنا ورغباتنا وشهواتنا، وتقديم كل ما يتطلبه من جهد لتبليغ دين الله في الأرض.
٦- تحريك العاطفة الإيمانية واليقين والتوكل على الله تعالى والاستعانة به في قضاء حوائجنا، وتحمّل كل مسلم مسؤولية الدين وتعلّم أعمال الهداية.
إنّ مما لا شك فيه؛ في مثل هذه المؤتمرات واللقاءات التي تأتي في حياة المؤمن، فهي تحرك ساكن الغيرة على الإسلام في نفسه، وتزيد ما قد يعلَق بها من ران؛ بحيث يستشعر في كل مكان أهمية الدفاع عن الدين والوقوف في وجه الحملات المسعورة التي تتجرأ على دين الله من جهات مغرضة، ومن خلفها منظمات ودول تجتهد بكل ما أوتيَت من قوة لتطفئ جذوة الإسلام لَمّا علموا أنه الدين الخاتم الذي به تكتمل سعادة البشرية، وترسيخ أسس وقيم العدالة والمساواة بين بني البشر.
وفي الختام نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا. {وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}- التوبة، آية: 105.