سَنواتٌ عِجاف
شيخَة بنت سهيل الصَّوَّافِيَّة
سَنَواتٌ عِجاف مَرَّت؛ لكنَّ مَشاعرَها الآنَ كَما هي الحال قَبلَ تلك السَّنوات، وَكأنَّها بالأمسِ كانتْ تتحدَّثُ عَنها رُغم صغرِ سنِّها إلا أنَّها واجهتْ أكثر ممَّا تستحقُ، من المُؤسفِ أن تنجرحَ كثيرًا، وأن تتألم أكثر وَهي بريئة لا أعلم لماذا هذه المشاكل لا تتوقف تتخلصُ من مشكلةٍ تغرقُ في مشكلةٍ أعمق من التي قبلها تمرُّ بها أيَّام ممزوجة بالثقلِ والألمِ؛ ولكن فعلَتْ ما بوسعها كي تدفع هذا الألمُ بعيدًا؛ لكنَّها تستيقظُ كلَّ يوم وتجده لا يزال موجودًا، ماذا بوسعها أن تَفعلَ أكثر؟
لم يفلحْ شيء في إذابةِ هذا التعب المُزمن قالت ذاتَ يومٍ أنَّها ستعتزل الكتابة، عقلها فارِغ، داخلها لا يستطيعُ التَّعبير من شدَّةِ الألمِ.
بينَ ثانِية وثانِية، يمُوت يأسٌ، ويحيَا أملٌ، تبتسِمُ شِفاه، وتدمَع أعُين، يخُون صدِيق، ويُخلِص عدُو، بيَن الثَّانِية والثَّانِية، تُوجَد حيَاة.
أخاف من نفسِها حين تَظل صامدةً أمام الأشياء القاسية أخاف حينَ لا تبكي أمام الأشياء التي تستدعيها للبكاء، وأخاف حين تصمتُ رغمًا عن ضجيج رأسها وكل الكلمات التي في جوفها وأعماقها، أخافُ على نفسها حين تستقبل كلَّ الصدمات بهدوء تامٍّ، أخاف من فكرةِ أنَّ هذا الثباتُ سـينهارُ فجأةً ولن تَستطيع النهوض مرةً أخرى.
وكنتُ دائمًا أجعلها تستشعرُ وجودَ الله –سُبحانه وَتعالى- معها في كل شيءٍ، حتَّى أكثر أوقاتها ضِيقًا، كان حُبُّه يربط علَّةَ قلبها بشيءٍ من ذهبٍ، حتى ينجلي الحزن وينفرج الكرب، ويلمعُ القلب بلمسة رحمته بها، أمَّا اليأس الذي يحاوطها بين فنيةٍ وَأخرى، والفتور المُعتاد الذي يلي استقامة سنوات فما هو إلا طبيعة ضعف النفس البشريَّة الأمَّارة بالسوء وما هو إلا مُجرد إنذار.
تضلُّ، تبعد وتَفتر، فينزل البلاء رحمة بها ورغبة في مردِّها إليه سُبحانه ولو بعد حينٍ.
وأمَّا كونها نفس بشريَّة ضعيفة، فإنَّها كثيرًا ما كانت تَستمع لصوتِ شيطانها وتُصدِّقه تمامًا حين يخبرها أنَّه لا يوجد أمل، لا يوجد ما يسرُّ، لا قيمة لهذه الحياة ولا قيمة لها، حتَّى تمر على أذنِها؛ {…إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ”}- [سورة يوسف، من آية: ٨٧]، فلربَّما هي رسالة إلهيَّة أو شيء من قُبيل القدر، ولكنَّها في كلتا الحالتين نور رباني وسط عتمة أفكارها السوداويَّة يأتي لينيرَ عقلها وروحها وتستفيق من غفلتها حتَّى تَستشعرَ وجودَ الله –سُبحانه وَتعالى- معها مرَّة أخرى.