2024
Adsense
مقالات صحفية

إلّا ما دمتَ عليه قائماً

صالح بن خليفة القرني

درَج ولدي ذو الربيع السابع أن يأخذ مني مئة بيسة مغرب كل يوم، ليشتري شيئاً من الدكان القريب بعد خروجه ورفاقه من المسجد، تساءلتُ في نفسي:
هل سيضع مخلّفات ما اشتراه في حاويات البيئة الممتدة من المسجد إلى البيت؟

أُسقط في يدي حين رأيته يرميها بعيداً عن حاوية القمامة، انتظرته أمام البيت، وحين وصل تفاجأ بي عندما سألته أين رميت القمامة؟ تهلّل وجهي حينما لم يكذب، فأشدّ ما خشيته أن يجمع خسيستين، طلبت منه أن يعود أدراجه ويبحث عن كيس الآيس كريم ويرميه في حاوية بيئة، عاد في الظلام يبحث عنها، ولحُسن حظه وجدها قبل أن تلقي بها الريح في مكان سحيق.

أحرص دائماً على وضع حاويات صغيرة في كل جنبات المنزل، وأعتمد الفعل قبل القول وسيلةً للتربية، فأجمع بنفسي ما أخلّفه من قمامة أمام أبنائي لأعزز فيهم قيمة النظافة.
وكثيراً ما تثور ثائرتي عندما أجد علبة فارغة هنا أو منديلاً مرمياً هناك.

ربما أجد من يقول أنني أبالغ في الأمر، ولكن الأمر جدّ خطير، فأضراره على البيئة وكل مكوناتها لا تُعدّ ولا تُحصى، فنسمع عن نفوقٍ للطيور والحيوانات من مخلّفات من يُفترض بهم أن يكونوا أرقى الكائنات.

إن لم يعِ هذا الطفل اليوم قيمة النظافة والمحافظة على البيئة فسيستمر مسلسل القمامة المنتشرة في كل الأماكن السياحية، وسيقوم من جلس في مكان جميل يشرح النَّفْس ليتركه سيّئاً يكتم النَّفَس.
والمسؤولية مضاعَفة على كل المربّين رجالاً ونساءً من خلال التوجيه بالفعل والقول والتمثيل والقدوة، وهناك مثَل شعبيّ عُمانيّ يقول:
“بو ما تحت ولا تِنْقَب”، ويقصد به أن الثمار الناضجة إن لم تسقط بنفسها فلا بدّ من جنيِها باليد، فالتربية ليست بالصدفة أبداً، وحتماً ليست بالأمر اليسير، وحتى الأمور التي نعتقد أنها بديهية وواضحة، فهي تحتاج أن نؤكدها ونكررها دوماً، فحتى القمر يخفى وكلّ مصدر نُور عند من لا يرون بقلوبهم كما يقول حسن أوريد في روايته (رواء مكة).

فالحفاظ على البيئة واجب وطني، وهو أمانة لن يؤدّيها ولدك إلا ما دمتَ عليه قائماً.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights