خليفة .. (قصة قصيرة)
مريم شملان
خليفة، فتاة تقطن فس قرية صغيرة، تُحيط بها من الشرق المزارع والبحر والمنازل الساحلية، ومن جهة الغرب بقعة شاسعة واسعة فيها منازل الرعاة الذين يملكون الأبقار والمواشي، ويعتاشون على ما يستطيعون حصاده من ثمار النخيل طوال الصيف، وما يدخروه لطعامهم طوال العام، وما يؤتى لهم من جيرانهم من أهل الساحل البحري من الأسماك.
وخليفة هي من ضمن تلك الحلقة التي فيها الحُب والتواصل والتعاون مع أقاربها وجيرانها وأخواتها الثلاث اللواتي يكُبُرنها سِنّاً.
أتت خليفة إلى الدنيا بعد سنوات طويلة من انتظار أمها لإنجاب الولد، وسنوات من الحلم والأماني التي
تصحوا بها أمها صباحاً وتنام عليها ليلاً، وبعد قدوم الإناث الواحدة تلو الأُخرى،
وتحطم الحُلم الجميل وسقوطه في هاوية اليأس وفقدان الأمل، والبحث عن مَخرج لعدم إنجاب الولد، والذي كان همّها الوحيد في الحياة، قد تبادر إلى ذِهنها بأن تضع تلك الهموم جانباً، ولتفرح بما يكون قادم إليها من حملها الجديد، والتي لم تعد تهتم بما يكون سواء كان أُنثى أو ذكر، فانتظرت حتى اقترب وصول الضيف، فقد وضعت في فكرها بأن يكون اسم وليدها القادم “خليفة” مهما كان جنسه، وبعد انتهاء مدة الحمل ما كان ضيفها الذي قدم إليها إلا أُنثى، وكان كما قررت أن يكون اسمها “خليفة”، وكان لها ما رغبت به.
نشأت خليفة في عائلة مُحبة راضية بما آتاها الله من العيش البسيط وراحة البال، وقد كان اسم خليفة يضع الفتاة في مرتبة الصبيّ الذي يكون في المقدمة في كل أمر، وأن تخدم من يحتاج للمساعدة، أو ما يتوجب عليها أن تمدّ له يدَ العون لصلة من قرابة أو جيرة لها، وأصبحت “خليفة” بسيرتها الطيبة، وباسمها الذي أحبَّه من حولها أن يستمرّ، ولم يكن في ذلك إلا جمالاً ورضىً لها ولأمها،
ولم تجد من يُعارض، بل كان الشيء الجميل الذي يجعل منها المُختلف في ذلك العمر الصغير.
وتمضي الأعوام لتكبر “خليفة”، ولم تعد صغيرة، ولكن بقي الاسم المُحبّب لقلب أُمها، والاسم الذي يرسم على وجوه من أحبوها البسمة والسعادة، والغُرباء الدهشة والتعجب، بعدها أصبحت “خليفة” في سن الزواج، وآن لها أن تكون باسم فتاة، وأن يُستبدل باسم آخر، فما كان إلا أن تكون باسم “جميلة” على أمل أن يسقط أسم “خليفة”، ولكن هذا كان من المُستحيل، “فجميلة في نظرهم ما هي إلا “خليفة”، فلا زواج قد أنهى ما أحبوه بخليفة، ولا هي رحَّبت بالاسم الجديد، “فخليفة” كان الحُلم لأمها، والهدية التي وهبتها الأماني لها ولن تفرّط فيها.
مَضت الأعوام، وانتهت أعمار من كانوا أماناً لها، وأنجبت من كانوا لها عونااً، وعلى مدى سنوات عُمرها بقيت “خليفة” بهذا الاسم رغم تغيّر الزمان والمكان والحكايات التي توقفت عن الحديث، والعيون التي اختنقت بالدموع لذكريات تجرّ خطواتها إلى النهايات الأبدية.