2024
Adsense
قصص وروايات

الزيارة ..

    مريم شملان

حارة نائمة بهدوء على شاطئ بحر تزينه قطع الشاشة المتناثرة، نصفها يعانق أمواج البحر ونصفها الآخر قد طمره الرمل، وبعضها ما زال يعمل بالبحر ذَهاباً وإيابًا، يصارع الموج ويناضل للبقاء لوقت طويل، بشتاء بارد أو صيف حارق، والمراكب المُتعبة من سفر نال منها العناء وأمست مُتهالكة من ليال طويلة مرت عليها وهي مُبحرة لِتلبي نداء بحار أضناه الشَوق وحَنين

العودة الذي يتناغم مع الموجات. مُحيطاً يبكي خوفاً عليهم من إعصار، أو ريح، أو مطر، يُبعدهم عن الطريق الذي يصلهم إلى الوطن ويُفقدهم رؤية الأحبة العائدين إليهم.

هنا على الشاطئ أهل الحارة يتنفسون نهارا جديد،ا وصباح يأتي بنسماته الصيفية القادمة إليهم من جهة البحر المحب لقلوبهم، لتخبرهم النَسمات بأن أيام الصيف قد بدأت، لتوقظ النيام منهم وتريح النفوس البسيطة بالنسمات التي تاتي مع الفجر حاملة شذى الأشجار المورقة والمُزهرة ببشائر الصيف، تُخرجهم من منازلهم المتداعية والمتكئة.

 على رِمالك يا شاطئ تُنادي الشمس لِتخبرها أسرار الليل أو من كان به كربة وهم، أو من كان مريضًا، أو وصول مولود جديد.

تستعد “كاذية” هي وصويحباتها اللواتي سيذهبن برفقتها إلى الحارة المجاورة لإيصال ما “أرسلته الجدة” لقريبتها بالحارة المجاورة والتي تَبعد مسافة ﻻ بأس فيها من البُعد والعَناء، لتبعث في نفوسهن النشاط، والفرح، والغِناء، يمضين مع العابرين، يضعن أقدامهن على شاطئ تتناوب عليه الموجات الحالمة، وكذلك الذاهبين لسقاية أو لحصاد محاصيلهم أو للسوق في تلك الصباحات التي تدعوهم للعمل وكسب الرزق، تَمضي الفتيات وأقدامهن الصغيرة تغور في رملة البحر الباردة، مروراً على رمالك يا بحر، مع صيحات البراءة والفرحة التي تصدر بُحب وبساطة، ماضيات بأمان وسعادة، مع مداعبة المارة والمعارف وأهل الحارة تكتمل فرحتهن، و “كاذية” أمامهن، يَبتعدن عن الحارة رويداً رويدًا بأهازيج متفرقة وأغان جميلة، الفتيات يتجمعن تارة ويتفرقن تارةً أُخرى، ويلتقطن هذا ويتركن ذاك، من محار جميل وأصداف وحجارة ملونة، يتجمعن على أحاديث وقصص، ويتفرقن للقاء الموجات الصغيرة القادمة إلى ذلك الشاطئ الذي يَجلب تلاطم

 أمواجه الحنين ويَغرس الأحلام، تقف “كاذية” لتنظر للبعيد، وتحضن بعينيها زُرقة البَحر، وتأتي بالتذكر لكلمات جدتها حين تُخبرها أن المسافر سوف يرجع، والطيور لها وطن، وكل غريب سيعود لبلاده. كلمات ترددها، والتي قد سمعتها في قصص قهوة الضحى، وروايات العائدين من تلك الأسفار التي أخذت وحيد جدتها والغالي على قلب “كاذية”.

تمضي الفتيات ويقتربن من الحارة المجاورة بعد تَخطيهن” الخور “، ثرثرة وقصص وحديثهن المُستمر والمتقطع، وصولاً إلى التل الذي تكدست عليه حكايات وقصص الليالي المُقمرة، ووداع الذاهبين، وقصص البِحار والنجوم التي تزور بعضها ليلاً، وقالت لهن “كاذية”: “هذا ما أخبرتني به جدتي”.

 وهي تصعد إلى عُلوُه بِجهد وتقف وتقفز بكل خفة من التل إلى الجهة الأُخرى، ثم توقفت ونظرت وعادت تُخبر صويحباتها وأطراف أصابعها تُشير إلى شيء من المجهول خلف تل الرمل المُهيب، الشَاهد والصابر على موجات بحر مُتقلب بمده وجزره، ممسكةً بقطعة من حجارة ملونة رأتها بين الرمال قد تبين نصفها، فهرعت إليها مسرعة وأخفتها في يدها وعادت للغناء والصغيرات بالتصفيق والضَحكات الطويلة، وقد وصل صداها إلى أهل الحارة قبل أن يصلن لها الزائرات…

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights