2024
Adsense
مقالات صحفية

هل لديك مشكلة؟

ميادة شكري

هل سبق وتوقفت أمام مشكلةٍ ما، معلناً أنْ لا حيلة لك بحلّها؟ كثيراً ما نتخبّط في اتخاذ قرارات مصيرية غير مدروسة، بنية الخروج من مأزق حاليّ، لنُفاجَأ تباعاً بفرض مواجهة تداعيات قراراتنا الخاطئة، والتي ربما تضعنا في مشكلات أكثر ضراوة من المشكلة ذاتها، لذلك ترصد لنا الأبحاث العلمية طُرق التفكير الناقد لحلّ المشكلات، والتي لا تقتصر على الخروج من الأزمة فحسب، بل تقوم أيضاً على تدريب العقل لتتبّع الحقائق، وكشف زيف المعلومات، ففي ظل ما نحيا فيه من تطور تكنولوجيّ مذهل، واقتحامٍ صادم للذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، أصبح إعمال العقل وتدريبة، سلاحاً لمواجهة المستقبل الاصطناعي القادم.

وبالرغم من أن كلمة “مشكلة” يمكن أن تُحدث في النفس أثراً سيئاً بمجرد سماعها، إلا أن أغلب الباحثين حدّدوا مفهوماً بسيطاً للمشكلة، وهو تلك الفجوة التي تقع بين (الواقع والمأمول)، بين ما تريده وما هو متاح، وعندئذٍ وجب عليك التفكير في تقريب هذه الفجوة لتحلّ المشكلة، فكما أشار الباحث “إدوار بونو” إلى أن عملية التفكير تعني التحقق للوصول لاتخاذ قرار أو اصدار حكم معيّن على مواقف أو أشياء، ما يعني أن التفكير في حدّ ذاته هو عملية حلّ المشكلات، كما ميّز “فان جاندي” بشكل أوضح بين نوعين من المشكلات:
المشكلة محكمة البناء:
وهي المشكلات العادية والتي تحتمل الصواب أو الخطأ، وترتكز على حلول تقليدية ومنطقية.
المشكلة ضعيفة البناء:
وهي تلك المشكلات غير التقليدية، والتي تحتاج دوماً للتفكير في خلق حلّ إبداعي.
الأمر الذي يجعل التفرقة بينهما متوقف على ثلاثة عوامل:
مدى توافر المعلومات، وضوح الهدف المنشود من حل المشكلة، وأخيراً وضوح سُبل الحلّ؛ فمتى اجتمعت المعايير الثلاثة في مشكلة أصبحت “مشكلة محكمة البناء”، يسهل حلها بطُرق غالباً منطقية وتقليدية، أمّا إذا افتقدت أحد المعاير الثلاثة سابقة الذكر، تحولت لمشكلة ضعيفة البناء، والتي تستوجب طُرقاً إبداعية، وتفكير ناقد لحلها.

هذا وقد يرى الباحثون أن هدف الوصول لحل المشكلات بطريقة نقدية، يجب أن يشتمل على مكونات وخطوات، يلزم تتبعها للوصول لأفضل نتائج في علاج المشكلات بشتى أنواعها، سواء كانت مشكلات سياسية أو اقتصادية أو شخصية، حيث تشتمل عملية التفكير لإيجاد حل ناقد للمشكلات على ثلاث مكونات رئيسية وهي (فهم المشكلة) وهنا سيتطلب ضرورة جمع المعلومات وفرزها وإعادة صياغتها بشكل محدد، ثم مرحلة (خلق الأفكار والحلول)، وهذه المرحلة تتسم بإنتاج المزيد من الأفكار والأقرب للحل الإبداعي والتي يمكن تنقيحها واختيار أفضلها والأكثر اتساقاً للهدف المنشود من حلّ المشكلة، لتأتي المرحلة الثالثة والأخيرة(وهي تقييم الحلول وتنفيذها)، والتي تستهدف المفاضلة بين الحلول المطروحة وعرض آليات تنفيذها، وهي مرحلة دقيقة وتتسم كثيراً بمهارات التفكير الناقد في اختيار أفضل الحلول المنتجة، أما خطوات الحل فقد يسّرها لنا الباحثون وفق الخطوات التالية: بداية من إدراك وجود المشكلة بالفعل، ثم وضعها في إطار محدد واضح، يليها جمع البيانات عن المشكلة المطروحة، ثم وضع فروض محتملة للحل، وأخيراً مرحلة اختيار الحل مع التنفيذ العملي.

وربما يظهر لك من خلال السرد السابق سهولة التفكير والوصول لحل المشكلات بنوعيها، لكن الحقيقة أن هناك كثيراً من الصعوبات والتي ربما تجدها تقف حائلاً بينك وبين الوصول للهدف المأمول، والتغلب على الواقع المفروض عليك -وهو ما يخلق المشكلة- ويضعك في عثرات اتخاذ القرار غير الصائب، بسبب مشكلات قد تبدو عصية على الحلّ جرّاء بعض التعقيدات بها، فمثلاً ربما تصادفك مشكلة مركّبة متشابكة، ذات فروع قد تؤثر في المشكلة بشكل ما، لكنها ليست لبّ المشكلة نفسها، وهنا ينصحك الباحثون بضرورة تفكيك المشكلة وعزل القضية الأساسية للمشكلة عن تداعياتها، ووضعها في صورة مبسطة واضحة.

أما المعوق الثاني وهو ذو صلة بالمشكلة المركبة، في هذه الحالة يصعب على الفرد نفسه تفهم العلاقات والمتغيرات المؤثرة على المشكلة، لذا يستلزم عليك ضرورة تعقب عناصر المشكلة بهدف الإحاطة بها بشكل كلي، كما أن هناك صعوبة في تناول الأفراد للمشكلة بعزلها بشكل متطرف عن سياقها العام، فتصبح مشوهة مبتورة السياق، مما يصعب على المرء تداركها، وأخيراً يشير الباحثون إلى أهمية استخدام جميع حواسّنا للتغلب على صعوبات حلّ المشكلات، فربما تخدعك حاسّة البصر في إبصار المشكلة أو تتشتت حاسة سمعك، فتفقد المصداقية في الإلمام بالمشكلة، فالمطلب الرئيسي هنا ضرورة إعمال جميع حواسنا دون استثناء للإحاطة بكل التفاصيل.

يبقى لنا أن نتعرف على أهم السمات المميزة لأصحاب التفكير النقدي، لكن علينا أولاً فضّ الاشتباك بين مفهوم التفكير الناقد بشكل عامّ، وعلاقته بحلّ المشكلات، حيث عرّف الباحثون التفكير الناقد بكونه الحكم المميز المرتكز على المعايير، كما عرّفه آخرون بكونه القدرة على فهم وفحص الأفكار المطروحة وتقيمها واستخلاص أفضل النتائج، وهذا ما يتقاطع مع التفكير في المشكلة بشكل نقدي، إذاً، هناك ارتباط وثيق بين آلية التفكير بشكل نقدي، وطرق حل المشكلات، لكن يبقى السؤال الأهم، هل نحن جميعاً قادرين على التفكير بشكل نقدي؟ والإجابة تكمن في التعرف على سمات الشخص ذو التفكير الناقد، والمهارات التي يمكننا صقلها للوصول إلى هذا المستوى من التفكير النقدي، حيث يتمتع الشخص الناقد بعدة سمات منها:
أن يكون متأملاً ومتمهّلاً في الإحاطة بكافة جوانب الموضوع محلّ التفكير، كما يجب أن يكون ذو نزعة بحثية حول الأسباب المتعلقة بالموضوع محطّ التفكير، مع أهمية البُعد عن التحيّز والتعصّب، وإفساح المجال لسماع آراء الآخرين دون تحيز لذاته، مع قدرته على المرونة في تصحيح أفكاره ومعتقداته، ولديه أيضاً قدرة على التنبّؤ المُسبق بالمشكلات، مع حبّ الاستطلاع والبحث حول حقائق الأمور، بعيداً عن الذاتية في عرض أفكاره، بالإضافة لكونه شخصاً منظماً وواضحاً في عرض أفكاره معتدلاً في حكمه وذو ثقة بالنفس لاتخاذ قراراته وتحمّل مسؤوليتها، مستقلاً لا يتأثر بآراء الآخرين، ولا يقبل سوى النتائج المدعومة بأدلة حقيقية.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights