المدرسة حياة المدرسة العمانية وإشكالات التنشئة
د. محمد بن أحمد بن خالد البرواني
alnigim@gmail.com
على الرغم من التطور الذي صاحب المدرسة العمانية سواء ما يتعلق بالمناهج أو استحداث الوظائف أو في اللوائح المدرسية؛ التي أكدت جميعها على أهمية التمسك بالقيم والعادات العمانية والإسلامية الأصيلة ؛ بالإضافة إلى المعالجات التي تمّ تقديمها للحدّ من ذلك سواء ما يتعلق بتجديد اللوائح المدرسية أو من خلال البرامج التوجيهية الفردية منها والجماعية ؛ إلا أن إشكالات التنشئة ما زالت قائمة وحادثة وتعاني منها المدرسة العمانية كما يعاني منها البيت ، ولا يمكن القول هنا بأن المدرسة هي التي تتحمل جانب التنشئة لوحدها منفردة ؛ بل أن هناك مؤسسات أخرى تعنى بذلك كالبيت والمجتمع والمؤسسات وأصحاب الفكر وغيرهم ؛ إلا أن المدرسة تتحمل نسبة كبيرة من ذلك ؛ لأن الطلبة يقضون ما يقارب ثماني ساعات في اليوم في المدرسة بين تعليم وتعلّم ؛ ثم يعود بعدها الطلبة إلى منازلهم مجهدين وتنتظرهم مجموعة من الأنشطة والمهام والواجبات التي يجب عليهم تقديمها لمعلميهم في اليوم التالي أو الأيام التي تليه وهكذا ديدنهم ، مقابل وجود الأب في العمل بعيدا عن منطقة سكناه.
إن الناظر بشكل عام على حال النشء اليوم يجد أنه يفتقد لأساليب الحوار وأبجدياته ويفتقد التعاون والعمل الجماعي، واحترام الآخر، ويركّز على مصالحه الخاصة، ويرى أنه صاحب الحق مع من أكبر منه، وتنصّب اهتماماته في مجالات بعيدة عن أطر ثقافة النفس وإشباعها بالمفيد النافع.
في مقابلة أجراها مكتبنا المتخصص في الاستشارات التربوية مع مجموعة من الشباب ؛أكّدوا بأن نسبة 65% من الشباب لا يجيدون الحوار مع الآخر ، وإنّ ذلك يعود إلى ضعف اهتمامات الشباب القرائية ؛ كما أنهم يتوجهون إلى الكماليات الحياتية ، بالإضافة إلى إشكالات النظرة المجتمعية ؛إذ ينظر إليهم المجتمع نظرة سلبية لمن يقرأ في الأماكن العامة وخاصة أماكن الانتظار أو الجلسات العادية وتجاوزت هذه النظرة إلى محاور النقاش التي تبتعد عن المفيد الحسن الذي يعتبرونه خروجا عن المألوف ، ويرى من تمت مقابلتهم أن هذه النظرة السلبية غير موجودة مع الغرب بل العكس تماماً ، حيث إن الغرب ينظرون إلى من لا يقرأ نظرة سلبية ؛ بل أن الشباب الذين أكملوا تعليمهم الجامعي في الخارج كانوا يمارسون القراءة في الأماكن العامة في الغرب ولكنهم سرعان ما تركوها عند عودتهم إلى أوطانهم ، وذلك بسبب هذه النظرة السلبية ؛ على الرغم من نظرة المجتمع لذلك فيما قبل الثمانينيات بشكل إيجابي ومحفّز ،وفي سؤال كيف تمكنوا من ممارسة القراءة في الخارج ؛ بالرغم من قلة وجودها معهم في بلدانهم فبينوا أن ذلك يعود إلى نظام التعليم ووجود الحافز في المجتمع .
ونتيجة لذلك فإن دور التعليم والتعلّم في غاية الأهمية لتحسين مبادئ الحوار واحترام الآخر وعلى المعلمين التركيز على تعلّم الطلبة العمل الفريقي وإعطاء كلّ عضو في الفريق مهمة، يتم التأكيد عليها أثناء تقديم النشاطات الصفية واللاصفية للطلبة، بالإضافة إلى اهتمام القائمين على المناهج على إيجاد مادة تعنى بالحوار أو وجود أنشطة وفعاليات تخدم المنهاج وتعمل على تعزيز ما يقوم به المعلم داخل غرفة الصف؛ كما يجب الاستفادة من مصادر التعلم والعمل على تفعيلها بشكل يحقق البرامج الحوارية ويعمل على دعمها.
إنّ العبء على المعلم أكبر في وقتنا الحاضر؛ لذا من المهم تدريبه بما يكفل له القدرة على اكتساب المهارات والأساليب اللازمة التي تساعده على تقديم هذه المهارات وتنفيذها للطلبة داخل غرفة الصف وربطها مع حاجات المجتمع؛ ومن المهم تفاعل المجتمع وتغيير نظرته السلبية إلى إيجابية مع القرّاء ومن يشغلون وقتهم في المفيد الحسن.
إن التنوير الفكري والخُلق القويم أساس لبناء مجتمع ملتزم بمبادئه وقيمه التي لا يحيد عنها وسدّ منيع أمام الهجمات الشرسة التي تعمل على تفكيك الأسرة وهدم بنائها وتوجيه شبابها إلى الانحطاط والدونية.