ومضات من القيادة الظرفية
يوسف بن عبيد الكيومي
مدرب القيادة الإدارية والقيادة التربوية
طور العالمان بول هيرسي وبلاتشارد في أواخر عقد الستينات من القرن الماضي أحد أبرز أنواع القيادة أطلقوا عليها القيادة الظرفية.
يؤمن الكثير من القادة في مختلف المنظمات بأنه لا يوجد نمط قيادة واحد يناسب جميع المرؤوسين لجميع المواقف والظروف التي تتوفر في اللحظة بالمنظمات؛ لهذا لابد من أن يعتمد القادة على أنواع متنوعة من الأنماط القيادية حتى يستطيعوا من خلالها التعامل بأريحية كبيرة لتلبية وتقديم ما يحتاجه المرؤوسون في كل موقف تماشياً مع احتياجاتهم وبما يتناسب مع مستوى نضجهم الذهني واستعدادهم الحقيقي لتحمل المسؤوليات المنوطة بهم.
ولهذا يمكن تعريف القيادة الظرفية بأنها مجموعة من الأنماط التي يتبعها القائد وبما يتناسب مع متغيرات الظروف في البيئة العملية التي ينتمي لها.
وحتى يستطيع القائد الظرفي اختيار الأنسب لكل موقف لابد من أن يتوفر لديه بعد نظر في الخلفية عن المسار المهني لكل مرؤوس بالمنظمة؛ من حيث المستوى العلمي وسنوات الخبرة والخلفية الشخصية وطرق التعلم ومستوى الأنا لكل مرؤوس في فرق العمل التي يقودها.
حتى يقف القائد على معظم المتغيرات التي قد يكون لها تأثير عالٍ على مدى التزام المرؤوس وكفاءته في القيام بالأعمال والمهام التي يجب أن يقوم بها، والتي طبعاً تتنوع وفقاً لمستوى شدة المهمة وتعقيدها، ومستويات الأداء المتعددة، ومدى قدرة القائد نفسه على تقديم الدعم والإرشاد والتوجيه المطلوب وقت الضرورة للمرؤوسين، كل بحسب قدراته وميوله الشخصية.
وتعتمد أنماط القيادة الظرفية على سلوك المهمة بحيث يقوم القائد هنا بإخبار المرؤوسين بما يجب أن يفعلوه وطريقة القيام به متى ما اكتملت الاحتياجات. وكذلك على سلوك العلاقة وذلك من خلال قرب القادة من المرؤوسين وتقديم حوار مفتوح معهم، ومن ثم الإنصات والاستماع لهم. مع تقديم التحفيز والتعزيز و المكافآت للمرؤوسين وتقديم التغذية الراجعة وقت الضرورة لهم.
وينتج عن المستويات المختلفة من درجات الهمة وصلة السلوك عدة أنماط قيادية يأتي النمط القيادي إخبار في مقدمتها، بحيث تكون سلوك المهام فيه متوسط إلى مرتفع ومن سلوك منخفض إلى متوسط كصلة سلوك. وأهم ملامح هذا النمط أنه يُعلم فيه القادة هنا المرؤوسين بما عليهم فعله أو عمله وطريقة القيام به، مع الرجوع لخبراتهم لاتخاذ القرارات المناسبة لإنجاز المهام الموضوعه لهم في أوقاتها المناسبة.
ويعد نمط إخبار نمط قصير المدى لا يستخدم للفترات الطويلة، والهدف منه تحريك الجانب العملي لدى المرؤوسين الذين تنقصهم الخبرة في مجال عملهم أي كمثال على الموظفين الجدد في منظمة ما.
ثم يأتي نمط بيع ليضخ الكثير من المهام وصلة السلوك على مستوى المرؤوسين، والذي يقدم من القادة على هيئة مجموعة أو حزمة من الاستفسارات والأسئلة من القادة للمرؤوسين محتاجة إلى إجابات شافية تامة منهم على تلك الأسئلة في محيط المهام المقدمة من القائد.
الأمر الذي سيوجد مستوى أكثر انفتاحاً للمناقشة بين الطرفين؛ توضح فيها أسباب أهمية المهام الموضوعة لهم، ومقدار تناسبها مع الأهداف الاستراتيجية، وكذلك التشغيلية للمنظمة.
ويلعب هذا النمط دورا حيويا كبيرا على مستوى التعاون البناء بين أعضاء الفريق من خلال مشاركتهم الفاعلة، مما يسهم في رفع مستوى المهارة المراد تحقيقها لديهم، الأمر الذي جعل القادة يعتمدون كثيراً على هذا النمط تشجيعاً منهم لأعضاء الفريق على المشاركة في مهام المنظمة بشكل مستمر وفاعل.
بينما تستفيد فرق العمل صاحبة الخبرات الكبيرة من نمط المشارك من خلال مشاركة المرؤوسين في التخطيط و التنظيم والإشراف والمشاركة كذلك في صنع القرارات، بحيث يأخذ هنا القادة الظرفيون أسلوب القيادة الديمقراطية، والذي يطلق عليه الأسلوب المنخفض في سلوك المهمة العالي في صلة السلوك.
ولعل المرؤوسين في هذا النمط دائماً ما يكونون قادرين ويمتلكون إجادة المهمة المطلوبة، ولكن مع مستوى عالٍ من الحذر من أن يؤدونها بطريقة فردية. لهذا ونظراً لتعقيد المهمة على القائد في هذا النمط تحديد نوعية الأسئلة المفتوحة التي تساعد المرؤوسين وتوصلهم للحل المطلوب القابل للتطبيق و العمل به لإنجاز وإتمام المهمة المطلوبة.
ولأعضاء فريق العمل الذين يتمتعون بمستويات عالية من الكفاءة والتحفيز الذاتي، نمط التفويض الذي يخصص لأفراد معينين يتمتعون بمسؤوليات وأداء مهام كبيرة لها فكر وقاد أظهر نتائج مميزة في إبراز المهام المراد تحقيقها وذلك من خلال اتخاذ قرارات رشيدة وجرئية أسهمت في تقدم المنظمة وتميزها، رغم قلة المهام وصلة السلوك في هذا النمط.
ومن خلال الأنماط الظرفية للقيادة يتضح بأن المرؤوس ينتقل تسلسلاً بين الأنماط المذكورة سلفاً؛ مع تقديم الزيادة في التحفيز والمكافآت بما يتناسق مع عطاء الموظف وكفاءته في أداء المهمة المراد تحقيقها.
ومن فوائد تطبيق القائد لهذا النوع من أنماط القيادة، تمكينه من وضع الشخص المناسب في المكان المناسب بعد الوقوف على مواهب ومهارات المرؤوسين ورعايتها، ولمساعدة أعضاء الفريق على التطور مهارياً وعملياً. وهنا لابد من أن يغير القائد أنماطه في بيئة عمله بانتظام لتلبية احتياجات المرؤوسين رغم صعوبة ذلك إلا أنه مفيد له ولفريق عمله. بحيث يكيف القائد نمط قيادته بما يتناسب مع الموقف، الأمر الذي سيؤدي إلى تطوير و تجويد وتحسين مستويات الأداء والنتائج المترتبة على ذلك.
يسهم في وجود مستوى عال ومتقدم من الاتصال المتبادل بين القائد وأعضاء الفريق، من خلال تبادل النقاشات و الآراء، مما يساعد في تمكين القادة من معرفة مواطن القوة والضعف لأعضاء الفريق. فيقدمون لهم الدعم اللازم بشكل أفضل؛ وهنا يظهر مؤشر مرغوب لدى القادة وهو مدى تحمل المسؤولية من قبل أعضاء الفريق والتزامهم بأداء المهام الموكلة لهم في الوقت والزمن المناسبين؛ مما يؤدي إلى وجود الحماس والاحترام والثقة المتبادلة بين الطرفين. هذا الأمر سيخلق جانبا من الشعور بالراحة عند إسهام المرؤوسين بأفكارهم في تطوير المنظمة، مربوطاً بعامل التحفيز للمرؤوسين لتجويد العمل بصورةٍ أفضل.
وعلى الرغم من كثرة فوائد القيادة الظرفية ومحاسنها، إلا أنه يشوبها بعض العيوب و المساوئ بحيث تطبيقها يحتاج إلى مدة زمنية ليست بالقصيرة، وجهد بدني وفكري يحتاج إلى الصبر والتحمل الذي لا يكون متوفرا لدى الكثير من القادة في بعض المنظمات، وكذلك صعوبة ما يتوقعه المرؤوسون من قائدهم نظراً لتشابك المهام ومراحل العمل بها.
كذلك اعتماد بعض أعضاء الفريق على قائدهم قد يزيد عن حده لأخذ الدعم والتوجيه فيصبح الوضع سلبيا مما يقلص المبادرات والإبداع بالمنظمات.