حلم لم يتحقق ..
عبدالله بن حمدان الفارسي
كنت أظن وخاب ظني.. الاعتذار لأغنية [الأماكن] للفنان محمد عبده، منذ نعومة أفكاري وطراوة عقلي أحلم بأن أكون أحد المؤسسين للبيت الكبير، ذي المساحة الكبيرة والطوابق المتعددة، بالغرف المتقاربة والمتلاصقة البنيان، بيت يجمع ولا يفرق، يحتوي ولا ينبذ، يبشر ولا ينفر، له مداخل لا تغلق للراغب بالانضمام إلى من فيه، مشرعًا أبوابه لقاصدي السلام والمحبة والألفة، لم يرَ النور ذلك البيت الكبير إلا في مخيلتي ولا زال قائمًا ومشعا بأنواره.
لم نعد نمتلك رحابة القلوب وبشاشة الصدور، ولا ثغر يبحث عن الصدقة بالابتسام، بالرغم من اتساع مساحات البيوت وكثرة ما فيها من مآوٍ وفخامة الحضور، إلا أن من فيها غرباء رغم أنهم قرباء، تفتقر تلك البيوت للتقارب والتآلف، تحسبهم جمعًا وقلوبهم شتى، الأخلاق عملة بالية قابلة للاندثار، لا يؤمن بها أحد إلا من رحم ربي، العيون تثكل المحاسن المفقودة، لا وجود للنية السليمة، كثرت التأويلات الذاهبة بعيدًا عن الفطرة.
القلوب ملأى بالهواجس والظنون، والعقول تأبى أن تستنتج الحق وتتبعه، همها بعثرة ما تبقى من صواب، وبناء الباطل على هضاب الشك، وما بني على باطل حتمًا لن يشتد قوامه ويكون ماثلا للعلل، النظرة سوداوية يستصعب عليها معانقة الضياء، نفتقد الترابط الصادق والانسجام المترابط، علاقات دميمة الوجه، لا يتأمل منها الإخلاص، ولن تكون في آخر الليل وسادة الأمان.
القلق الشعور الوحيد الذي يرافقنا ويتنامى فينا حسب مراحل العمر وعقوده، الفرح لا يكاد يستقر في أعماقنا، إلا وهبت عليه عواصف التأرجح، اضطراب جم يقابله سكينة يتيمة تبكي على وحدتها وسقمها، الخوف لا يكاد يبرح مودعًا إلا وعاد يجر ذيول البؤس ولسان حاله ينطق: لا مكان أستأنسه سوى قلوبكم ذات الخواء.
البيت الذي أحلم به تآكلت أركانه وقد غدا آيلًا للانهيار والسقوط، وعوامل التزييف شوهت معالم تواجده على خارطة الحق، وأزاحت شواهد الحقيقة، وأحلت عنها براثن الخواء والضلال، اهترت قلوبنا وكلت عقولنا، وتمازجت الألوان ولم يبقَ منها إلا المعتم.
تلك المعالم الرائعة، والأماكن الباهية والموائد العامرة بنقاء قلوب من حولها، ذهبت مع تلك الشخوص الشامخة والباقية على وجه الزمن، لا زلت أقف على نافذة ذلك الوقت الذي مضى، أرتقب نسائم الفرح، ونهر في حضنه قارب يحمل بشائر الإصلاح، وما هي إلا لحظات أستفيق بعدها وعناقيد الأمل ذابلة تتمايل أمام عيني، وتتساقط في حقول قلبي، ويأس يتولد من جديد في أحشاء عقلي، وكنت أظن وخاب ظني.