سلطنة عُمان تحتفل بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد المجيد
Adsense
مقالات صحفية

وأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ ..

عبدالله بن حمدان الفارسي

التوافق والاتفاق غاية صعب تحقيقها والوصول إليها بنسبة الكمال بين كافة الأطراف، وإن كانت تلك الأطراف على شاكلة واحدة، فليس هناك اتفاق يمكن القول بشأنه إن مظلته احتوت كل من أقره ووافق عليه، وإن كان ذلك ممكنا وليس مستحيلا، ومع هذا لا بد من وجود معارض أو موافق على مضض على بعض الحيثيات والبنود؛ فالحياة كذلك التعايش فيها أشبه بالحديقة كونها تجمع الكثير من الأجناس المختلفة والمتناقضة في آن واحد، فمنها الإنسان والحيوان بالإضافة للجماد والكائنات التي لا ترى إلا بالعين المجردة، وهذه المرئيات وغيرها بالتأكيد بعضها لا يتفق مع الآخر سوى في الشكل أو الغاية أو في النمط الحياتي، وإن كان الاختلاف بشكل جزئي.

عالم مليء بالغرابة والانحطاط أكثر منه بالفطرة السليمة والإيجابية، تصرفات نلمسها ونعايشها مصدرها بعضهم وتستدعي الخجل ويندي لها الجبين ويتطأطأ منها الرأس، سلوكيات على أنماط مختلفة حتى العقيدة لم تسلم منها؛ فمن السبب في هذا التسيب والانحدار الفكري وهبوط الذوق الرفيع إلى أدنى المستويات؟! وما العوامل والدوافع التي تجعل من أبناء المجتمعات المسلمة المحافظة اللهث والجري خلف المخالف للفطرة والدين والقيم النبيلة؟ وما الأسباب والمسببات والدوافع التي جعلت من النشء ينجرف بشكل غير مسؤول وبتقليد أعمى سعيا وراء ما يدمر كيانه الشخصي والأسري والمجتمعي؟. لماذا؟ ولماذا؟ أسئلة تحتاج الوقوف عندها والإجابة عنها.

فالضغوط النفسية بمختلف أنماطها ومسبباتها ازدادت وكثرت إفرازاتها غير الحميدة، نتاجها هدم البيوت وتشتت الأسر وتدني المستويات الثقافية، واستفحلت في الناس العلل الجسدية والعقلية، تباعدت المسافات بين الأحبة، وانهارت جسور الثقة بين الناس، تصدعت وتقطعت روابط التواصل والمودة بين الأشقاء، بالكاد تجد اللقاءات الأسرية تتم ونادرة جدا، وقلما تجد من يبتسم لك في وجهك إلا من رحم الله، وإن كانت مبادرة الابتسامة منك أتاك قائلا: “هل تعرفني؟” فالوجوه متجهمة والقلوب ضاقت بما رحبت، والعيون دائما تكون في شك وريب مما ترى، والآذان في حالة استنفار كبير لا تستمع لما هو مخملي الصوت، بل تنصت للسيئ القبيح ليكون صاحب الشرارة الأولى لإشعال نار الحرب عند نقل الخبر.

المترصدون للزلات والهفوات وبث الخراب تناموا من أجل بعثرة الأوراق المعدة لإصلاح ذات البين ولم الشمل بعد الفراق والانشقاق .

 نماذج تنامت وكثرت في المجتمع سعيها وغايتها في المقام الأول التضليل واتساع رقعة الخلاف، حتى لا يكون هناك وفاق أو سلم بين الأطراف، كذلك الحث والسعي الدؤوب في محاولة عرقلة مسيرة مجتهد وطموح، ووضع كافة العراقيل والمعضلات التي من شأنها تحطيم مجاديفه وتمزيق أشرعته حتى لا يذهب بعيدا بنجاحه وتميزه، وإن كان ذلك النجاح للصالح العام، وإن كان نجاحه في منأى عن منافستهم، لا لشيء وإنما لأن السرائر معتمة وفاقدة لنور البصر والبصيرة.

فئات يحتضنها مجتمعنا ولا يخفى على أحد وجودها، فقد نمت وترسخت جذورها في تربة مجتمعنا الصالحة، هي ظاهرة ملموسة ومنظورة ليست بخافية على المطلع، والمطبلون وما أدراك بهم فهم في نظري مختلفو السلوك والممارسات في دأبهم عن المنافقين وإن كانوا على مستوى واحد من الخطورة، وعودة للمطبلين فانتماؤهم لمن يدفع أكثر ولمن يكون سلما لصعودهم إلى غاياتهم، بالمعنى الأوضح (المتملقون) وله الويل لمن يسقط ولم يحقق مبتغاهم؛ فمن واجبنا متى ما استشعرنا وجودهم ما علينا إلا أن نفعّل مبيد المكافحة وأدوات الاجتثاث.

ما الدوافع التي تجعل من بعضهم الوقوف مع الباطل ضد الحق؟ ولماذا نتوغل في الظلام بحثا عن الأكثر عتمة وضلالا متجنبين سبل النور والوضوح؟

أنماط وسلوكيات لا نجد لها تفسيرا واضحا ولا تأويلا منطقيا، علما أنْ لو رجعنا للتربة التي ترعرعت فيها الجذور لوجدنا أن الفلاح ذو صلاح، والأرض مرتع خصب، والساقية ذات سقيا عذب وزلال، فلماذا تختلف الثمار في طعمها بعد ينعه؟!، فديدن  بعضم البحث في القمامة عن كل نتن وقبيح، ونبذ مقومات الجمال والبهاء، كالذباب لا تكتمل سعادته إلا على قمم المنبوذ والمكروه، ولا يروق له حال ولا يهدأ له بال إلا بالجيف والتمسح بها، تاركا كل متاحٍ ومباحٍ وحلالٍ له، الحلال حُرِّم والحرام حُلِّل، والعملة بدت ذات وجهين متشابهين، التمييز بينهما صعب، سبات في النهار وسعي في الليل، تضاد متشابه لا فرق بين الأجناس إلا بالاطلاع على ما خلف الكواليس، الروائح الزكية لا تبقى عالقة في الأنف، ولا تزكي نسائمها المكان، ناهيك عن الروائح القبيحة تتسيد المكان وتستحله، وتبوء كل المحاولات لإزالتها بالفشل كالمحتل المغتصب الغاشم لا يتزعزع إلا بزهق الأنفس وضياع وفقدان الغالي والنفيس.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights