2014
Adsense
مقالات صحفية

“ذكريات القيظ”

بدرية بنت حمد السيابية

يا لها من ذكريات جميلة؛ بل أكثر من رائعة! ومن فينا لا يحب هذا الموسم موسم القيظ، حيث كانت الناس تنتظر هذه الشهور من مايو حتى شهر أغسطس من كل عام، وهو موسم حصاد ثمار بعض الأشجار، مثل النخيل والأمبا (المانجو) وغيرها من أشجار الفاكهة.

وترتبط بموسم القيظ مجموعة من العادات التقليدية التي يمارسها العمانيون ذكورا وإناثا، ومن مختلف الأعمار، ويمارس أصحاب المزارع أنشطة زراعية متنوعة في موسم القيظ؛ مثل الزراعة وجمع الثمار المتساقط من النخيل ووضعه على المسطاح، كما يتم جني وحصاد وتبسيل ثمار النخيل.

وينظر المزارعون إلى موسم “القيظ” بأنه موسم عائد اقتصادي بعد عناء واهتمام بالنخلة خلال عام زراعي كامل، ويعد من المواسم الاقتصادية، وعندما كنا صغارًا ننتظر انتهاء موسم الدراسة حتى ننتقل مع عائلتنا إلى مزارعنا حيث نسمات الهواء، والمباني عبارة عن منازل بنيت من سعف النخيل مكونة من غرف ومطبخ، وكانت المعيشة في هذه المنازل تتسم بالهدوء والاسترخاء مع الطبيعة الجميلة.

في الصباح الباكر كنا نحمل في أيدينا “الجفير أو القفير” وهو السلة المصنوعة من خوص النخيل، ليستخدمها أهل البحر في حمل الأسماك، فيما يستخدمها أهل البر في حمل الرطب، وكنا نتسابق في جمع ما يسقط من النخلة من رطب أو يسمى محليًا بسلطنة عُمان وتختلف من منطقة لأخرى (باللجاط أو اللقاط أو الرقاط) ونحن في بهجة وسرور، ونجمعه ونتسابق به إلى (المسطاح) وهو عبارة عن دعون- أغصان النخيل اليابسة المصفوفة بطريقة معروفة- وفرشت على الأرض لنضع عليها خيرات النخيل، وبعد سماع صوت -المكينة- وهي عبارة عن مضخة تعمل على سحب المياه من الآبار إما عن طريق البنزين أو الكهرباء. كنا نتسابق إلى الحوض وهو مربع الشكل مليء بالمياه لنرمي أنفسنا في الحوض ونسبح فيه ونحن في فرح.

فبعد تعب وجهد، وبعد تأدية صلاة الظهر مباشرة تأتي وجبة الغداء الذي تم تحضيره وطبخه بأيدي أمهاتنا الغاليات؛ وهو عبارة عن العيش الأبيض المدهون بالسمن العُماني مع خمباشة عوال أو المالح، وهي من الأكلات الشعبية المعروفة لدى العُمانيين، ولها نكهة خاصة في فصل الصيف وغيرها من الأكلات اللذيذة.

الجميل في الأمر أن كل أفراد العائلة تأكل من صحن واحد عكس أيامنا هذه، حيث أصبح الحال أن كل شخص منعزل بطعامه وشرابه، وفي وقت العصر وبعد تأدية الصلاة نكمل عملنا من جمع اللقاط أو سقي أشجار النخيل بالرغم أننا نكون متعبين.

وهكذا ينتهى يومنا، فيا لها من أيام عشناها بين لمة الأهل ولمة الجيران! حيث الصحبة الصالحة الطيبة، حيث البساطة، فكان الجيران يتسامرون تحت ضوء القمر مع بعضهم بعضا، وكانت قلوبهم تدعو بالخير وأن الله لا يفرق شملهم، كان الجار يستعين بجاره ويشاوره في أمور الحياة ومتطلباتها.

فهكذا هي الأيام قد غادرت وهذا هو حالها، ولكن بقيت الذكريات الطيبة والتي أصبحت جزءًا من حياتنا، والابتسامة لها تكون حاضرة بمجرد أن نتذكر تلك الأيام الراحلة دون عودة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights