2014
Adsense
مقالات صحفية

دروس في تحفيظ القرآن الكريم خفايا الذاكرة

حميد أبو شفيق الكناني
كاتب إيراني

سأقدم بإذن الله دراسة، هي عبارة عن سلسلة دروس في تحفيظ القرآن الكريم بصورة تحليلية لأوضاع الحافظ وأصول الحفظ، أرجو أن تنال استحسان القارئ.
إنّ هذه الدروس هي عصارة تجربتي الشخصية مع حفظ القرآن الكريم والنصوص الأدبية الأخرى، وهي من هذا المضمار الطويل الذي يمتد إلى ثلاثة عقود أو يزيد.

يقول تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}-[الحجر: 9]. قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17)}-[سورة: القمر].

وأما بعد:

يمتد عهدي بصفوف تحفيظ القرآن الكريم إلى زمن بعيد.

ومما لا شك فيه أن في هذه الفترة حدثت تحولات وتقلبات في النظام التعليمي على مستوى العالم أجمع، حيث التطور الهائل في الآليات والتقنيات؛ مما أثر سلباً وإيجاباً على طرق التعليم وأساليبه، ومن ذلك تحفيظ القرآن الكريم، فالتطور ذو حدين؛ انتعاش وارتعاش.
فالانتعاش هو السرعة والدقة، حيث أصبح كل شيء في متناول اليد (اطلب تجد)، فبمجرد لمسة واحدة كيف تحفظ القرآن الكريم تأتيك العناوين من كل حدب وصوب، وتظهر لك المضامين بالصورة وبالصوت في كتاب وخطاب تعليمي لا يخلو من فائدة وبعض المتعة، على الرغم من أنه جاف وجامد، ليس فيه روح المدراسة والمجالسة ولا يحمل أي عفوية ولا حيوية، تتحول فيما بعد إلى ذكرى في عالم النسيان، تسعد الحافظ وتسعفه في كثير من المواقف؛ فالذكرى جرس في عالم النسيان.

وأما الارتعاش فيتمثل في ضريبة التطور، حيث شتات الذهن وفقدان السيطرة على التركيز، وضعف الإرادة في القرار والاختيار بسبب كثرة ألوان الزخرفة والبهرجة التي تزاحم الحافظ في وحدته وخلوته، وكثيراً ما تكدر عليه صفو عزلته؛ مما يتطلب من الحافظ في هذه الحال وهكذا مواقف مزيداً من العزم والحزم أمام هذه المغريات الوهمية، إذ أنها كالفتنة الخفية، إن أقبلت شبهت وإن أدبرت نبهت؛ فكأنها بداية بلا نهاية.

المثابرة:

لقد أصبح الكثير من أصول الحفظ وقواعد التحفيظ من نافلة القول وفائض الكلام, وذلك لما توفره لنا التقنيات الحديثة، إذ بمجرد أول لمسة تأتيك الاختيارات “أطلب تجد”. يقول تعالى في سورة الإنسان: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)}.

ولا يقتصر الحال على تحفيظ القرآن الكريم فقط؛ بل هذا هو الشأن العام في باقي حقول العلم والمعرفة، ولكن تبقى هناك خصوصيات خاصة على الحافظة والحافظ أن يهتم بها ويعطيها الأولوية في السعي والجهد، حتى يعثر على الحلقة المفقودة ويبلغ الغاية المنشودة، ومن ذلك الجهد الجهيد والاجتهاد الشديد في السعي وعدم التوقف لأن الإنسان كان وما زال ابن سعيه.

وخلاصة الكلام وزبدة المخاض في موضوع المثابرة هو:
“قلل المقدار وأكثر من التكرار وحافظ على الاستمرار”. طبعاً هذا في الظروف الطبيعية للحفظة بصورة عامة، مع الأخذ بنظر الاعتبار اختلاف المستويات والأحوال الشخصية للحافظة والحافظ.
ومن جد وجد ومن زرع حصد، ومن لج ولج، ولأن الذاكرة لا تصل إلى صفر؛ فكل محفوظ محفور.
وطبعاً وقطعاً أولى الأولويات الالتزام بمواعيد دروس التحفيظ. يقول تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)}- [سورة: فصلت].

فبعد صبرك اليعقوبي؛ ستنال أمانيك اليوسفية بتوفيق الله تعالى.

هذا، وبعد أن تحدثنا عن المثابرة؛ سأتحدث عن المغامرة بحول الله تعالى في درسنا الثاني، والبقية سوف تأتي تباعاً بتوفيق الله.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights