سلطنة عُمان الحضارة والتاريخ
محمد بن حمد المعولي
إن الكتابة عن سلطنة عُمــان والحديث عن حضاراتها وتاريحها ليس بالأمر السهل؛ إذ يحتاج الكاتب إلى سنوات من البحث ومئات من المراجع والكتب التي جمعت وذكرت فيها سلطنة عُمـــان قديماً وحديثا. فالحضارة العمانية كانت موجودة منذ العام 2500 قبل الميلاد حسب بعض المصادر، وربما أقدم من ذلك بكثير؛ فقد ذكرت لنا بعض المصادر التي تتحدث عن عُمان وعن تجارة اللبان مع مصر القديمة وروما، وكذلك تصدير النحاس والمعادن الأخرى، وقد اشتهرت أيضاً التجارة البحرية في عُمان منذ القدم، وخاصة مع دول المحيط الهندي وصولاً إلى كانتون بالصين.
وبعد وصول رسالة الإسلام إلى عُمان ودخولها إلى الإسلام دون حرب أو قتال؛ أصبحت لعُمان مكانة إضافية في الدولة الإسلامية واشتهرت بين الأمصار الإسلامية، وإنه لمن الفخر والإعتزاز ثناء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأهل عُمان وذكره الخالد لهذا البلد.
كما وفي وقت لاحق أشتدت قوة عُمــان البحرية وتوسعت في النشاط التجاري حتى وصل العُمانيون إلى أفريقيا جنوبا والهند والصين شرقا. كما وقد ساعد موقع عُمان الجغرافي في جعلها بلداً مهما في الخط الدولي البحري؛ حيث تطل على المحيط الهندي من الجنوب الشرقي، ومن الشمال الغربي تطل على مضيق هرمز بوابة الإقتصاد وشريان الحياة للعالم الصناعي، حيث يعبر منه ثلثا الإنتاج النفطي الذي يصل إلى دول العالم.
وبحكم هذا الموقع الجغرافي الذي تتميز به سلطنة عُمان وقوتها البحرية ونشاطها التجاري جعلها مطمع لكثير من الدول التي تبسط نفوذها على العالم والمتسيدة بحاره ومحيطاته في ذاك الوقت، فكانت أعين البرتغاليين وغيرهم على عُمان وازدادت أطماعهم عليها؛ إلا أن الشعب العُماني لم يكن غافلاً عن ذلك، وبالرغم من محاولة الغزاة إخضاع عُمان والسيطرة على سواحلها بين فترة وأخرى إلا أن العُمانيين كانوا رجالاً أشداء على من اعتدى عليهم أو يحاول السيطرة على بلدهم أو إخضاعهم. ولذا فقد تمكن العُمانيون من طرد البرتغال في القرن السادس عشر 1650 ولاحقوهم بحراً حتى تم إجلائهم من عُمان، وبذلك وسعت عُمان نفوذها حتى ساحل شرق أفريقيا وبسطت نفوذها على هذا الساحل، واتخذ العُمانيين مدينة زنجبار في الشمال الشرقي من أفريقيا مركزاً وعاصمة لهم.
بجانب ذلك، وبالرغم من إنشغال العُمانيين بتجارتهم ومصالحهم وبـتأمين الخط البحري التجاري العالمي والذي يربط عُمان ببحر العرب والمحيط الهندي من ناحية وعُمان والخليج العربي في الجهة الأخرى، ومن ثم إلى دول الشرق الأوسط ودول العالم؛ فإن عُمان اهتمت بجانب توطيد العلاقات مع الدول، فقد سعت إلى تطوير علاقاتها مع أغلب دول العالم وبالأخص مع الدول التي تكافئها في القوة والنفوذ؛ مثل بريطانيا وفرنسا. فكان لعُمان السبق في توقيع المعاهدات الدولية بين الدول، وقد وقعت معاهدة الصداقة مع بريطانيا في العام 1798وتعد هذه المعاهدة هي الأميز والأبرز، فلم يسبق لأي دولة عربية توقيع أي معاهدة من هذا النوع مع دولة مثل بريطانيا التي تعد من الدول العظمى في وقتها.
لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد وقعت أيضاً عُمان معاهدة تجارة وصداقة مع الممثل التجاري للولايات المتحدة الأمريكية، وقد مهد ذلك لإقامة علاقات دبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ وبذلك ترسل عُمان مبعوثاً لها إلى مدينة نيويورك على متن السفينة العمانية والمعروفة باسم ( سلطانة) لتفعيل العلاقة الدبلوماسية بين سلطنة عُمان والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في العام 1840م، ومثل العُمانيين آنذاك أحمد بن النعمان الكعبي كأول سفير لعُمان في الولايات المتحدة الأمريكية, ليس ذلك فحسب بل قامت عُمان أيضاً بتطوير العلاقات مع فرنسا وهولندا؛ ونتج عن ذلك تبادلات تجارية وثقافيىة بين عُمان وهذه الدول.
وفي العصر الحديث ومع ظهور النفط في سلطنة عُمان واستغلاله تجارياً، وتولي المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- الحكم في سلطنة عُمان في العام 1970م، فقد نقل جلالته عُمان إلى حقبة أخرى وإلى نهضة جديدة لتواكب العالم في تطوره ونموه، فكان أول ما شرع فيه جلالته بناء عُمان الحديثة، وأول ما بدأ به إرساء الأمن في البلاد لكي تقوم عليه أسس بناء الدولة الحديثة، ويعد دحر التمرد المدعوم من الشيوعيين في جنوب عُمان بمحافظة ظفار هو أعظم إنجاز في تلك الفترة من بداية تولي جلالته الحكم في عُمان. كما أولى جلالته إهتماماً كبيراً نحو بناء الموانيء والمطارات الحديثة والطرق وخدمات الكهرباء والمياه والإتصالات، وكل ما يتعلق بالبنية الأساسية في هذا البلد. إضافة إلى تركيز جلالته إلى المورد الأهم في عُمان، وهو المورد الذي تقوم عليه أركان التنمية في البلد؛ فقد وجه توجيهاته السديدة نحو بناء الإنسان العُماني، وكان هذا الأمر يتصدر قائمة أولويات جلالته، وركز جلالته -طيب الله ثراه- على نشر مظلة التعليم والصجة والرعاية الإجتماعية لكي ينال المواطن العُماني نصيبه من هذه الخدمات؛ وبذلك تؤهله للقيام بواجبه الوطني نحو المساهمة في البناء والتطوير.
ولأن سلطنة عُمـــان تتكأ على حضارة متأصلة وتاريخ ممتد لعقود من الزمن؛ فبذلك أكسبها ثفة كبيرة عندما مدت يديها لدول العالم لبناء جسور الألفة مع شعوب العالم وروابط الصداقة، حيث لاقت ترحيباً واسعاً واحتراماً كبيراً في الأسرة الدولية؛ فكان لعُمان ما أرادت من المكانة العالية والصوت المسموع. هذا وتجد سلطنة عُمان في كثير من المواقف والأزمات التي ألمت بالمنطقة حاضرة بأجندتها السلمية والحلول المرضية، وكان لها الموقف المشرف في كثير من الاختلاف في وجهات النظر، سواء كان موقفها المتضامن مع جمهورية مصر العربية عندما قاطعتها جميع الدول العربية عدا سلطنة عُمان، وأيضاً في الحروب؛ كالحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الأولى والثانية، وكانت عُمان دائماً هي الأرض التي يجتمع فيها الخصوم لحل أزماتهم ومشاكلهم، ومثال ذلك عندما قامت بدور كبير في تسوية الأمور وحل المشكلات القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإيرانية الإسلامية، وأيضاً موقفها الثابت في قضية اليمن المعروفة.
هذا ومع تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- مقاليد الحكم في سلطنة عُمان في الحادي عشر من يناير عام 2020م خلفاً للمغفور له بإذن الله تعالى، السلطان قابوس بن سعيد، فإن جلالة السلطان هيثم ركز علىى بناء عُمان وإعدادها للمستقبل؛ فوضع جلالته محاور رئيسة لبناء عُمــان المستقبل، ومن ذلك تنويع مصادر الدخل بشكل أوسع وتنمية الإستثمارات ودعم الإقتصاد وإعطاء المؤسسات المحلية الصغيرة والمتوسطة دوراً أكبر في تنشيط السوق المحلي، إضافة إلى الإستدامة والإستقرار المالي. وبالرغم مما مر به العالم من أزمة إقتصادية حادة نتيجة جائجة كورونا وما خلفته هذه الأزمة الصحية من كوارث إقتصادية لا يزال العالم يعاني منها، بالإضافة إلى التحديات الإقتصادية المحلية إلا أن رؤية جلالته كانت واضحة وشفافة ومحكمة؛ فقد أستطاع جلالته حفظه الله التغلب على هذه التحديات من خلال رؤيته الثاقبة، وجاء واضحاً في خطاب جلالته في بدايات توليه الحكم؛ حيث أشار إلى هذه التحديات التي تواجه البلاد، مطالباً جلالته العمل والجهد المشترك من المواطنين لتخطيها والسير نحو التقدم والنمو، إذ أكد جلالة السلطان هيثم على أن ” الأمانة الملقاة على عاتقنا عظيمة والمسؤوليات جسيمة، فينبغي لنا جميعًا أن نعمل من أجل رفعة هذا البلد وإعلاء شأنه وأن نسير قدما نحو الارتقاء به إلى حياة أفضل، ولن يتأتى ذلك إلا بمساندتكم وتعاونكم وتضافر كافة الجهود للوصول إلى هذه الغاية الوطنية العظمى، وأن تقدموا كل ما يسهم في إثراء جهود التطور والتقدم والنماء”.
إن مسيرة النمو والتطور في سلطنة عُمان تمضي في المسار الصحيح، وعُمان تمضي بخطى راسخة بقيادة جلالته إلى المكانة التي يجب أن تكون فيها كما رسمها جلالته وكما هي محددة في أهداف رؤية عُمــان 2040، وقد أكد جلالته حفظه الله على ذلك حيث قال: ” إن إنجاح هذه الرؤية مسؤوليتنا جميعا، أبناء هذا الوطن العزيز، دون استثناء، كل في موقعه، وفي حدود إمكاناته ومسؤولياته”.
إننا كعُمانيون نفخر بما وصلت إليه سلطنة عُمان على الصعيد المحلي من نتائج إيجابية حيث تجاوزت معظم التحديات التي مرت بها بكفاءة واقتدار، وهذا ليس بغريب على القيادة الحكيمة لجلالة السلطان أبقاه الله، كما حافظت سلطنة عُمان على مكانتها العالمية المرموقة، فالله الحمد وبفضل السياسة المتزنه التي تنتهجها القيادة الحكيمة فإن سلطنة عُمــان تعد بلداً نموذجيا بين الدول الأخرى في التسامح والسلام ومعالجة المشكلات ومواجهة التحديات وبناء الصداقات ومد جسور الحوار السلمي, إن سلطنة عُمان بتاريخها العريق وحضارتها التي ترتكز عليها منذ آلاف السنين ونهجها السليم الذي لم تحد عنه قد أكسبها إحترام ومحبة شعوب العالم.