حمود الحارثي
بسم الله خير بدايات الكلام وخير النهايات، وبسم الله حتى يبلغ القلب هداه، ويعص هواه ويستقيم، والحمد لله حمد الشاكرين.
لطالما كانت الوجهة المحببة لي وأفراد أسرتي لقضاء أيام الإجازات القصيرة ولايتي صحار والبريمي في كل سانحة.
بعد التوكل على الله حملنا حقائبنا ويممنا السرا فكان لصحار فضل السبق في استقبالنا، وهي محملة برائحة عبق الذكريات الخالدة التي أضفت على نفوسنا مع إطلالة بهجة الأنظار بالغ السرور والبهجة.
لحظات عبور بوابة صحار كانت متشبعة بذكريات جمعتنا بأعز الرفاق وأصفاهم، ولربما الشعور بهيبة المكان كان له بعد آخر، كما لجمال حدائقها وأسواقها وقلعتها الشامخة وحسن تنظيم شوارعها ونظافة مرافقها العامة ودفء شواطئها وهدوء أمواجه الممتدة بمحاذاة بحر عمان وقع آخر يبقي صحار بكل ما فيها حائزة على مكانة في القلب لا تضاهيها مكانة في الذاكرة إلا قريتنا المضيرب.
مع كل الجمال الذي تعودنا أن نراه في كل زيارة إلا أن زيارتنا الأخيرة كانت مختلفة؛ حيث تزامنت مع إقامة مهرجان صحار الترفيهي البحري وما احتواه من فعاليات متنوعة، أقل ما يمكن وصفه بالرائع؛ فكان إضافة أخرى لذاكرة سجل زياراتنا لهذه الولاية العريقة تاريخا، وحاضرا مزدهرا.
المهرجان الذي أقيم عبر الممشى المجاور لضفاف الشاطئ الممتزج مع الحضور الكبير للأسر وقهقهات فرح الأطفال؛ حيث تجد تنوع الفعاليات المصاحبة له حاضرة عبر أركانه المتوزعة على جانبي الممشى، كأكشاك منافذ التسوق وبيع المأكولات الشعبية والفعاليات المقامة على خشبة المسرح في نهاية الممشى بعيدًا عن صخب المدينة، الأقرب لصوت أمواج البحر المتداخلة مع أهازيج الفرق الشعبية المشاركة.
سعدنا ورفاق رحلتنا بحضور إحدى أمسيات المهرجان الرائعة والذي جاء في نسخته الأولى بعد أن قضينا وقتا ماتعا في رحلة بحرية أخذتنا للجزيرة الاصطناعية التي أقامها المنظمون وسط البحر، وقبل المغادرة لمرسى القوارب ودعنا قائد رحلتنا والمنظمين بابتسامة مليئة بالرضا التام، وبدعوة صادقة من القلب بأن لا يغير الله عليهم الحال إلا لأحسنه.
لم يكن انطباعنا حول جمال المكان بكل ما يحملة من روعة فيه شيء من التجديد لأنها لم تكن الزيارة الأولى لنا للولاية، بقدر ما كان التركيز منصبا على تفاصيل دقيقة كحسن التنظيم وحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة الذي حظينا به من قبل أبناء ولاية صحار، سواء أكانوا منظمين أم زوارا.
من كل ما سبق استقرأت بأن القائمين على هذا المهرجان يحملون رسالة سامية ومسؤولية مجتمعية عظيمة، ولا مكان للبعد المادي أو الشخصي؛ فالتنظيم بقدر الاجتهاد في بلوغ الهدف الأسمى وهو إبراز ولايتهم وإنجاح جهود القائمين على المهرجان خصوصًا، كونه جاء في نسخته الأولى؛ حيث تجدهم في كل موقع كخلية النحل، فنعم العاملون المخلصون هم، وما كان يوما ذلك بغريب على أبناء ولاية صحار.
بعد ليلة هانئة وضحاها على إطلالة بحر عُمان حزمنا أمتعتنا وحملنا حقائبنا إلى الحاضرة في القلب دائمًا، إلى ولاية البريمي لتكون الوجهة الثانية لنا في طريق الرحلة، ليحين معها موعد زيارة فلج الصعراني بعد التجول في شوارعها الجميلة وأسواقها الشهيرة الرائعة.
ولمسائنا كان رونقه الخاص في حضور مهرجان البريمي الترفيهي المقام في الحديقة العامة، نعمنا من خلاله بأجمل السهرات التي ترنو إليها القلوب في ليالي الشتاء الباردة اللطيفة.
كانت إقامتنا بولاية البريمي كالعادة في مكان الإقامة الذي تعودناه، لتميزه بالموقع ورقي الخدمات، ليأتي الصباح يذكرنا بموعد زيارتنا لفلج الصعراني، ذلك المكان الذي تحول بفضل الله وجهود المخلصين المبادرين المبدعين من أبناء الولاية ليصبح الخيار الأمثل لزوار الولاية، ولا غلو إن وصفناه بأيقونة المحافظة بشكل عام وولاية البريمي بشكل خاص.
فروعة المكان بلا شك لا تكفي لتكون جاذبة للعودة لزيارة المكان، ولكن حينما تنسجم مع روعة من سكنوا المكان الذين تميزوا باللطف والكرم غير قابل للمقارنة، ولربما كانت عودتنا للمكان في كل زيارة هي دليل شارح لذاته.
ونحن نودع فلج الصعراني بولاية البريمي كانت نية المسير معقودة نحو مسقط العامرة قبل أن تتغير فجأة برأي متفق عليه من رفاق الرحلة؛ فجاء القرار بالعودة إلى ولاية صحار من جديد لقضاء ما تبقى من أيام الإجازة في رحاب شواطئها الجميلة وحدائقها المطلة على بحر عُمان، فأدركت مبتسمًا بأن صحار قد تقاسمت مشاعر الحب الذي بيننا مع آخرين.
مع انتهاء الإجازة واقتراب موعد العودة للمدارس بعد أيام قضيناها في وئام وسرور برفقة من يحبنا ومن نحب ودعتنا صحار صباحا بالغيوم والضباب وقطرات الندى؛ لتستقبلنا المضيرب بالشروق والدفء الذي تعودنا منذ الطفولة.
ختاما.. بلغوا عني سلاما يفيض محبة وتقديرا لأبناء ولايتي صحار، والبريمي مجتمعين، سائلين الله العلي القدير أن يحفظكم سعداء ويديم عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وأن لا يغير عليكم الحال إلا لأحسنه – اللهم آمين.
