الزلزال، وصبر الرجال والنساء والأطفال
ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي
تعصف بالبشر مواقف عصيبة قد يعجزون عن تحمّلها، ويذوقون المر في مواجهتها،
ففي لحظة عابرة وأنت آمنٌ في بيتك ووسط عائلتك، وربما في وقتٍ كنتَ تداعب فيه أولادك وتضاحكهم، أو ربما كنتَ تغطّ في نومٍ عميقٍ وهانئ، وإذ بك تتفاجأ بالصراخ لتجد نفسك وأسرتك تحت أنقاض منزلك وفي قعر ركامه، وقد علا صوت الأنين، وكأنما أظلمت الدنيا في عينيك، ولا تعلم ما هو المصير الذي ينتظرك، هنا يتجلى ضعف الإنسان بكل صوره وأشكاله، وهنا ينتبه الإنسان لحاجته الماسّة وتواصله مع خالقه وموجده من العدم في كل وقتٍ وحين، لأنه رأى الموت بعينيه، فيا ربِّ لطفك بعبادك الذين قدّرتَ لهم هذا الحال وأصابتهم مصيبة الزلزال.
ونحن بكل مشاعر الأسى والمواساة نعزّي جميع الأشقاء والأحبة في بلاد الشام وكذلك في بلاد تركيا، ونسأل الله الشفاء لكل الجرحى وكل من أصيب جرّاء الزلزال الأخير، وما نتج عنه من ضحايا، فإخواننا في بلاد الشام تحملوا الكثير من المشاقّ منذ أعوام عدّة،وهم يعانون. فالتهجير من الأوطان والبرد والجوع أثّر كل هذا في إرادة الشعب السوري المكافح، وكل ذلك بسبب الأطماع والمصالح التي جعلت الكثير من الدول المستبدة تتسبب في ما آل إليه الأحبة في الشام، حسداً وطمعاً في خيرات هذه البلاد الطيبة، وطمعاً في الموارد، ثم قدّر الله عليهم هذا الزلزال الذي دمّر المباني والمساكن وأودى بحياة الكثير من النساء والأطفال والرجال، ليمحّصهم ويمتحن صبرهم، وما أعظم الخطب، فالمُصاب جلل، وقد سطّر بعضهم ملحمة إنسانية من التعاون الذي منشؤه الرأفة والرحمة، ووحدة الدم والمصير والروابط الإنسانية الوطيدة.
فما أعظم التضحيات، ولا يظنّ ظانٌّ بأنه يتفضل على الضحايا بعطاياه، بل هو توفيق من الله له أن جعله يبادر في فعل الخير، فهناك من انتُشل من تحت الأنقاض، وهناك من انقطع أنينه ولفظ أنفاسه تحت الركام، وهناك من نجّاه الله وهيّأ له سُبل النجاة، ورزقه الحياة مع طول المدة بلا طعامٍ ولا ماءٍ ولا هواء، فليتنا نتّحد في كل وقت وحين، وليتنا ننظر لأحوال الفقراء والبائسين الذين يوجّهون النداء لنا في كل وقت وحين.
وسؤالي الذي أطرحه عليكم أحبّتي القرّاء في هذا المقال: هل نحن بحاجة لزلزال آخر ينبهنا لكي نقف مع بعضنا بعضا؟
ربما هي رسالة لنا لنقف مع الشعب السوري الصامد ونتضامن معه، ومع كل فقير يُضطهد في شتّى بقاع الأرض .
وربما هي رسالة لكل غنيّ أن ينظر لحال الفقير، ورسالة لكل من لا يُزكّي ماله أن يسارع في إخراج زكاة ماله، ولكل ظالم أن يرد المظالم إلى أهلها!! .
فعسى أن نكون قد فهمنا الدرس، وتلقينا الرسالة. والكيّس من اعتبر، والفطن من وعى الدرس وترك طيب الأثر.