تحت ظلال الأفُق
مريم بنت عبيد الشكيلية
ليس غريباً أن يخطفك شعورٌ بالامتلاء الروحيّ في تمام الساعة الرابعة فجراً وأنت تحاول أن تستدلّ إلى الطريق المؤدّي إلى السموات السبع.
ليس غريباً أن تنتزع جسدك الغارق في الدفء، وتجرّ قدميك نحو المغسل لتحيط جوارحك بهالة الوضوء والضوء، لتتساقط آثام الدنيا بنقاء الماء والقلب.
الغريب أن نعلم بوجود حوضٍ من السَكينة ولا نغرف منه حدّ الشبع، وبوجود من بيده كلّ شيء ولا نتوافد عليه في محراب الفجر.
الغريب أن لا نتعثر بكل تلك الأجواء الماثلة للمغفرة، وتثقل أرواحنا وتتوسد الدنيا وهي التي على مقاس الظل.
هل تتخيل وأنت تقف وحدك وشفتاك تقرٱن سلسبيل الآيات النورانية، ويمتلئ نبضكَ بالشعور الذي لا يمكنك حتى الكتابة عنه أو وصفه؟
تقف مأخوذاً بعظمة اللحظة وأنت تستشعر بتلك الصلوات، كأنك تتحدث إلى ربك بخشوع، لا تسمع سوى دقات قلبك ورجفة جوارحك كلها، تفصلك حتى عن نفسك وكل تفاصيلها.
ما الذي أتى بك إلى تلك الدقائق الفاصلة بين روحانية فجر وصلاة؟ بين عتمة ليل محاط بقناديل ربانية وأول تدرجات الصبح؟ حتى أدركتَ عندها أنك لا تقوى على ترك ذاك المركب الذي يأخذك إلى أزمنة عبادات الصالحين.
والغريب أن ألاحظ انسحابك المفاجئ من رنين الهاتف، وغيابك المتعمد في ساعات الأحاديث الهادرة، ذاك الاختفاء الغامض من الضجيج البشري، لتطفو نحو أفق السماء وأنت على سجادة صلاة.