لا تلوموا الزمن
رحمة بنت ناصر الشرجية
من منا من لم يبدأ وعاش سن الطفولة؟! فهي أهم فترة في حياة الإنسان، كل من يقرأ زمن الطفولة الآن سيأخذ نفسًا عميقًا، والآخر سيدندن ويحرك رأسه، والآخر ستأخذه الآهات، سواء بوقت جميل مضى أو وقت صعب مضى، والمؤكد لذكرى طيبة وشقاوة وبراءة تصرفات ذلك الزمان.
نحن اليوم نعيش في عصر التكنولوجيا، وزادت في حياتنا وجود مواقع التواصل الاجتماعي، وتنوعت وسائل الإعلام، ما قمنا به وتعلمنا فيه أثناء زمن الطفولة قد مضى وليست هنا المعضلة، المعضلة الأساسية بعضنا ما زال يردد في كل موقف “زمن الطيبين” ويتمنى بعودة “زمن الطيبين”، زمن السبعينيات والثمانينيات وجزء بسيط من التسعينيات، وينتقد الزمن الحالي، وهذا النقد غير صحيح، المعضلة هي كثرة الشكوى وكثرة اللوم بالزمن الحالي، وكل جيل يناشد ويقارن ويتغنى بالجيل الذي يسبقه وينسى حياته، وينسى أن هذه هي حياة الدنيا، والحياة الحقيقية والأبدية هي حياة الآخرة، والسعادة الحقيقية هي رضا الله، والسعي والجهد والاجتهاد الدائم في كل عمل نعمل به أن يكون نيته خالصة لوجه الله، كل عمل نقوم به نحتسب به الأجر والثواب رغم الصعوبات والتحديات التي نواجهها، ورغم بعض الأذى والظلم من الناس، وعدم تقبلهم بالتغير، وهناك حلول ومقترحات تطويرية جذرية، ولكن هل من مجيب؟ وفي داخلي نداء يقول لي: “نعم هناك مجيب بتكاتف الجميع، ولا نمل ولا نكل من بعض المتشائمين الذين يقتلون في دواخلنا شغف الحياة؛ لأن سنة الحياة أن كل شيء فيها متغير ومتبدل، لا بقاء فيها على حال، إذ تمضي الأيام بكل ما فيها. يقول الله تعالى في سورة الرحمن: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ).[الرحمن:26-27]”؛ فعلينا أن لا نلوم الزمن، بل نلوم أنفسنا وتصرفاتنا، فلسنا مجبرين أن نخوض مع الخائضين، ولسنا مجبرين أن نقوم بما يقوم به غيرنا والأكثرية”.
فمن وجهة نظري الإعلام سلاح ذو حدين، وجميع مواقع التواصل الاجتماعي أيضًا سلاح ذو حدين؛ فعلينا أن نحسن الاختيار والتنظيم والعمل في إدارة التغيير، والصبر على المقاومة الشديدة للتغيير، فلا نلوم الزمن، وكما يقول الأمام الشافعي:
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا
وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ
وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا
وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ
وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا
فالزمن هو نفسه وإنما العامل المتغير هو الإنسان نفسه والزمن بريء من كل هذه التهم، الزمن مثل ما هو، والوقت يمضي وعقارب الساعة تتحرك.
هذه هي الحياة الدنيا كل زمن بسلبياته وإيجابياته، نحن من علينا أن نتغير للأفضل ونأخذ الأفضل والأصلح، ونترك ما هو سيىء، ففي نهاية المطاف الإنسان مخير وليس مسيرا.
أشار علم النفس إلى أن مستقبل الإنسان يبدأ منذ بداية مشوار حياته؛فطرته، بيته، صحته، معتقداته، تصوراته، ورؤيته، فجميعها تجتمع معًا لتكوين شخصية الإنسان مما يؤثر في حياته ومستقبله وفي بناء المجتمع؛ ولهذا فالفطرة والبيئة والأسرة تجتمع لتنشئة شخصية الطفل، ولكن لا أتفق بإلقاء اللوم على الزمن، فهناك تصرفات بعض الأطفال في يومنا هذا غير مقبولة حسب دراسات عالمية؛ بسبب استخدامهم المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي، ومن وسيلتين إعلاميتين؛ وهما التلفاز والانترنت، فهما يحدثان انعكاسات على صحة الطفل البيولوجي وتكوينه، ويدخل في عزلة مع محيطه الأسري، وهنا يكمن دور الأسرة والمدرسة والإعلام الرسمي معًا لتفادي هذه المشكلة.
والحقيقة عن كل ما يقال حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على اختيارات الأطفال وتوجهاتهم، يبقى للإعلام الرسمي دور كبير في إحداث توازن في المحتوى المقدم للطفل، فهناك تأثير رقمي وفكري ولغوي حقيقي يحدثه الإعلام الرسمي بتأثيراته النوعية ورسالته الإعلامية لسبب لا يمكن تجاهله أو إنكاره، ومثال على ذلك؛ تخصيص برامج تلفزيونية حوارية ونقاشية للطفل من ضمن قائمة البرامج المقدمة للمجتمع شهريًا.
وأخيرًا وليس آخرًا نصيحة العمر مني: “عش حياتك بقناعة ورضا، واجعل طفلك يعيش في عالمه الحقيقي، وليس في العالم الافتراضي أو عالم المشاهير مثل ما يتنادى به الآخرون، ويتعلم أن التحديات التي سوف يواجهها في عالمه الحقيقي ستظل تعلمه دروسًا قيّمة في الحياة حتى ينجح”.
دمتم برحمة من رب العالمين