المدرسة حياة أزمة التعليم.. بين الصدمة والتعلّم
د. محمد بن أحمد بن خالد البرواني
محمد للاستشارات الإدارية والتربوية
alnigim@gmail.com
تحدثنا في مقال سابق إن ما يشكل أزمة للتعليم هو التغير الديموغرافي للسكان وانتقالهم من مكان سكناهم إلى المركز؛ من أجل العمل والقرب من الخدمات وخاصة الصّحية والتي تتوافر في مناطق سكناهم ويتطلب الوصول إليها مسافات بعيدة تصل إلى الستين والأربعين كيلو مترا؛ مما يؤدي إلى حاجة الفرد للتنقل المستمر جيئة وذهابًا، وخاصة ممن يعانون من أمراض الكلى أو الأمراض المزمنة الأخرى؛ وبالتالي الانتقال إلى المركز وزيادة الضغوط على مدارس المركز من حيث عدد الطلاب والتي تزيد من قلق المخططين الاستراتيجيين وتوقعاتهم.
إن أزمات التعليم لم تقف عند هذا الحد فقط؛ بل طالت جوانب أخرى تتمثل في اختيار الكفاءات العلمية والعملية التي تحمل شهادات وخبرات متعدّدة متشبعة بالحقل التربوي، خبيرة به وعارفة بخباياه وملمة بتحدياته وأزماته، وهي فئة مديري المدارس الذين لم يكونوا الأكثر حظاً في الوصول إلى مواقع متخذي القرار؛ فمدير المدرسة والمشرف الإداري هم الفئة الأكثر احتكاكًا بالحقل التربوي، وهم الأكثر تأهيلًا وتدريبًا من غيرهم؛ لذلك فإن قدرتهم على اتخاذ القرارات السليمة بنسبة عالية أمر لا يساوره شكٌ أو ظنون.
إنّ الابتعاد عن هذه الفئة المرتبطة بالحقل التربوي والمدرّبة لمواكبة التغيير عن مراكز صنع القرار واتخاذه يزيد من حدة الأزمة ويعمل على تفاقمها؛ إذ أن ذلك يعمّق من الصراع ويزيد من حدّته بين فئة مدرّبة تعرضت لخبرات متعددة، سواء في مهارات الإشراف أو مهارات الإدارة والقيادة، والتي تعطيها تميزًا واضحًا في الجانبين الفني والإداري باعتباره في صميم العمل التربوي الذي يجب أن يتصف به متخذ القرار التربوي وصانعه، وهو أمر في غاية الأهمية؛ حيث يعملُ على التقليل من الصراع ويقلّلُ من حدة الأزمة ويعملُ على تحسين العمل التربوي وزيادة إنتاجيته، وتعديل مساراته وتأطير التوجهات الفردية الناتجة التي تؤدي إلى زيادة الضغوط النفسية والإدارية على العاملين نتيجة تنفيذ القرارات بشكل خاطيء، سواء الشفهية أثناء الزيارات واللقاءات أو الممارسات الخاطئة في جوانب مختلفة أثناء العمل في الحقل التربوي.
إنّ أزمة التعليم المتمثلة في الصراع وزيادة الضغوط بين متخذي القرار وصانعيه ممن لم تتاح لهم الفرصة في اكتساب الخبرة وممارستها ومديري المدارس والمشرفون الإداريون الذين تتجاوز خبراتهم العشرين سنة وأكثر والعاملين بالحقل التربوي جديرٌ بالاهتمام والرعاية، تحقيقاً لمبدأ ثورندايك في تحقيق الخبرة وامتثالًا لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اختيار القيادات؛ حيث أن ذلك سيعود بالنفع على التعليم في جوانب عدة منها:
– تحسين التدريب.
– التقليل من الهدر.
– زيادة الثقة بين الأفراد العاملين في الإدارة التنفيذية والإدارة الوسطى والإدارة العليا.
– زيادة الإنتاجية وتحسّن الأدوار الفعلية للعاملين؛ مما يعطي توقعات نواتج عالية.
– وجود القيادات المؤثرة؛ وبالتالي تحقيق الأهداف.
وفي كلا الأحوال فإن الإختيار الأنسب الذي يرتكز على مباديء سليمة ويرتبط بالغايات لا بد أن تكون نواتجه إيجابية ومحققًا للأهداف، ومطورًا للمنظمة وساعيًا إلى تطويرها، وواضعًا نصب عينيه ديمومة بقائها وجودة مخرجاتها.