كم يأتي الشوق على هيئتك؟
شريفة بنت راشد القطيطية
سيأتي قوم بعدك لا يزرعون إلا صحوا، ولا يتركون بين أيدينا إلا وطنا، ونشم روائح طهرهم عالقة في أراضينا، ويسكنون منطقة الدموع؛ كي لا نبكي مجددا، سنكون أوفياء ونشتري لهم العمر، حين تضع رأسك على كتف من تحب يفصل رأسك عن جسده هو الخذلان، ويعمرك بالموت، وتأخذ بقايا نفسك المحطمة تلتقط العشب من مراعي قلبه، لا شيء يكبر داخلي إلا همك، ولا يعبر موانئ قلبي إلا قلبك، ولا يتولاني بأشواقه إلا السهر، يترك بين الجروح أشباه غدرك ويمتطي عذوبتك ويرحل!، النضج ليس أن تكبر بالعمر، هو أن تنقلب الأحداث جميعها فوق رأسك ولا تأبه بها؛ وقتها تكون قد وصلت مرحلة السباحة في الغيم .
كأول الغرباء عن ذاتهم يمتطي أحزانه ويبعثر احتياجه للوله، والأمنيات لا تأتي عبثا وتقسم بالتساوي، منا من يحتاج لنبرة صوت ولمسة يد وحضن إذا كبرت الأماني، ومنا من يحتاج لرغيف خبز لا أكثر، ولا شيء يترك أثره في جسدي إلا الليل، تصرخ سياط الشوق في قلبي وتتركني عميقة هي الجراح في جوفي، أنتظرك حين لا يكون لي إلا أنت، تسد فراغي بهمسك وطيوفك أعشاشي واشتياقي لك قدسية يرسل أضواء حرب وصفارة إنذار ليهرب الجميع إلى القبو؛ لأكون أنا بين يديك دون تفكير للخوف .
استيعابي غيابك يستنزف الروح ويبطئ دقات القلب، يتركني بين خلو النهار من الصخب وضجة الأشواق، ولا يتفق معي أنني الأجمل من دونك، كم يأتي الشوق على هيئتك! وأهيئ نفسي لالتقاطك، غائرة عين الوقت تنتظر ملامح قدومك، وخيالات الوداع لا أطرب لها، سأدع كل شيء يمر إلا عينيك وشامة وجهك، تأخذني بسيف الرحيل إلى ساحة الوداع، وتأمر الوداع أن يقطع رأسي، وتجبر الاختناق ألّا يرحم، وألّا أتنفس إلا دخان بعدك ولهيب اقترابك، وتبعثر أجزائي كلعبة تركيب الأجزاء، وتبدأ في التركيب، وتخطئ وتعود وتلملم قصاصاتي، ولن تتوصل لصواب، الذكاء أن تكون نباهتك حاضرة وتحتوي القصاصات بشيء من الحب والشغف والعتب ورقتك الرابحة التي تسلي بها نفسك، وأنك المظلوم في قصتي معك، بلل ذلك العتاب واشرب ماءه ريثما تأتيك الحقيقة أنك خسرتني، والمترجم لرعشتي عند اقترابك يضمن لك حقوق اللهفة ومصادر الشوق، وتعتريني ملامح السواقي عند هطول المطر وغرقها حبا وعناقا؛ حيث يكون التلاقي تبدأ رحلة إني أغرق!، أن تجعل مني وطنك وعافيتك وتأتي بالهمس يداعب خاتمتي أشتد وأنتج أحلاما أكثر روعة، وأن أجعلك وطني وقدسيتي ستكون أكثر اخضرارا وأجمل عبقا، ولا داعي لأحزن وأنت ملاذي، المساء يلح؛ كي أبقى بجوار صورتك وهتافك بغرامي، كم كان ذاك الغرام هشا؛ كي يذوب في قبلة، ويترك عبقك بين ذراعي!، كم كنت تستأذن قبل أن تحبني، وتؤثر ترددك وترحل، كم كان المساء أروع معك!