لم أعتد على العيد في غيابك
حليمة بنت حمد اليعقوبية
عندما تترك الأيادي تشابكها معاً، وتترك القلوب توحّدها، وبعيداً عن التوحّد عن تلك الروح التي كانت تعني لك الكثير في الماضي، وفي ممرات الحياة الضيّقة في مواجهة الحزن في هذا العالم الغريب، هل العالم بأسره موحش؟ أو أنني أصبحت أخاف منه بمفردي؟ أخاف منه لعدم وجودك فيه.
لأنك تدرك تماماً وعلى يقين تامّ أننا على مفترق طُرق، كلّ منّا يسير في طريق.
قد يكون الإحتياج هو الدموع التي تذرف حزناً، قد يكون الأنين دموعاً تنزف الإحساس بالوحدة، وأنّه لا أحد في هذا العالم يقع في عيني بميزانك ووجودك أنت، لا أحد في قلبي سوى هذا الشوق وهذ التوحّد بك.
لعلّك لا تدرك أيضاً كم هي طويلةٌ تلك الليالي التي نتحدث أنا والقمر عنك! وطويلةٌ تلك الليالي التي أخذك البُعد فيها إلى مكان آخر منذ أن عرفتك وتنظر إلى السماء، كنتُ دائماً أطلب منك أن تنظر إلى القمر، حتى تعلم كم هو الدفء الذي يبعثه القمر إلى البشر على هذه الأرض، أنت القمر الذي وجدته بين الناس، وأنت القمر الذي يخبرني أن الدنيا بخير، لكنك لا تدرك أنني لا أستطيع أن أعيش دون حواري معك، لا انتقاداتك إلى الإساءة من الآخرين، ولا أشتكي من ظلم البشر وقسوتهم عليّ.
إنني لم أستفق بعدُ من ذاك البُعد الذي اخترته أنت، لمْ أُشْفَ بعدُ من إحساسي باليُتم في غيابك.
لم أعتد على طعم العيد في غيابك، ولم أستطع أن أتحمل اليوم قبل أن يستفيق قلبي شوقاً إليك، وأن تتلعثم الكلمات بلساني أن أصِف أحلامي وأوهامه.
وتقول لي: مجنونةٌ أنتِ. ومرّات أخرى تقول لي:
أنتِ بحاجة إلى علاج. علاجي منك يسغرق وقتاً طويلاً، وعلاجي من إدماني بك، وتعلقي المريض لا ينتهي، لا شفاء منه، إنه العجز عن النسيان، والعجز عن إدراك الواقع، لم أتعوّد بعد على أن أعيش أيامي تحصيل حاصل، رغم تعاقب الليل والنهار بدون لذّة الشوق، وطعم الحنين، ووجع الغياب، والإنتظار الطويل.
فصولك الأربعة وشتاء قلبك وخريفه وربيع الأحلام، كيف لي أن أصفَ لك كم مرة تنازلتْ يداي وقلمي عن الكتابة، وصمت الحروف لأشهرٍ طِوال، نسيت فيه البَوح، ونسيت فيها أحاديث المساء! كيف لي أن أخبرك أن قلمي لا يكتب إلا لك؟ وكيف لك أن تعلم أن الصباح هو نور عينيك؟ والبحر وأمواجه التي تتلاطم بالشاطئ تسرد أحاديثها عنك.
متى تدرك أن أسمك ورسمك يتردد بداخلي مع كل نبض؟ وكل نسمة هواء تدخل إلى صدري. هل لك أن تعلم أنك بمجرى الدم؟ وهل لك أن تعلم أنك الفرح البعيد، وابتسامات الوليد، وحضن الأم، واستقرار الروح؟ .