بكائية الموت والرحيل في الفقيد العزيز- عبدالله بن حمود الشكيلي((رحمه الله ))
هلال السليماني
“نهاية رجل”
رحلت ولم تتذوق بعد طعم التين من مزارع “البصرة” مع محمود ورفاقه، رحلت ولم تذق طعم تمور “فنجا” مع طلال وإخوانه في مزارعك التي عصرت فيها عرق سنينك بعد كل رحلة خارج الوطن، تركت الأشياء حولك تبكي ألوانها، وتركت فنجان قهوتك باردًا في حضرة سيف بن حمود، وتركت حصانك بعيدًا بعد أن ترجلت عنه كي لا يشهد لحظات رحيلك المؤلمة، فآثرت الرحيل.
الرحيل الصاخب يا قلب “كرشا” المعلق عند صباحات “الغباب” كعادتك عند حضورك على صهوة جوادك، بقيت وحيدًا حتى عن أعين الغرباء، وأنت في غرفة العناية، فكنا نعد الأنفاس ونحن ننتظر البشرى التي تأخرت كثيرا، اختفت صورتك عن المشهد الجنائزي، لكن روحك كانت تحوم في المكان. كنت تقول أشياء وأشياء، رغم الصمت؛ صورتك المتشحة بالكبرياء والعظمة كانت هناك، الكل هنا يعرفك، الكل يسألني عنك.
افتقدتك صحراء فهود والبصرة وصحراء الكويت وديار بكر، لقد كنت أيقونة “شلمبرجير”، وقامة تنتصب عند المواجهة. أجدك تتوسط خارطة عمري، منذ طفولتي التي قضيتها بين “كرشا” و”معمد” كنت الركن الذي آوي إليه لحظة اشتداد العاصفة”؛ فأجد فيك سكينة العمر واطمئنان السنين، وها أنذا أفتقد إطلالتك، أتذكر يوم جئت أبشرك بقبولي في جامعة السلطان قابوس عام 86 م كيف فرحنا معًا تلك الليلة! ويوم تخرجي منحتني شرف حضورك الحفل، لتشاركني الفرحة التي لا تكتمل إلا بك.
آه.. ليتك تعود لأقصّ عليك وجع اللحظة، وأنا أسرد سيرة “نهاية رجل شجاع” أفتقدك في كل المحطات، ألمحك في كل الزوايا وكأنك تلوح من بعيد. إنك لم ترحل عن المكان، صوتك يتردد صداه في قلعة كرشا، وفي دروب الحارة، وفي الزوايا والأمكنة التي مررت بها، يتحرك معك الضوء في عتمة الليل، وحين ينشق الفجر أجدك في الصف الأول ترتل الآيات بجانب جيرانك أحمد بن سليمان وصالح الربخي وعبدالله بن حمد في مسجد الغبرة، لقد جاءوا فجر اليوم وما عرفوا المكان، ينتظرونك هناك! كل الأشياء قد تبدلت، كأنها تشبه الوحشة.
أين رحلت ؟! مصحفك بانتظارك والفجر قد ولى. ماذا أقول؟! لقد تبعثرت الكلمات، ورحلة السنين توشك أن تنتهي، فما عاد القنديل في يدي.