عُهود الكلمة
الباحثة الإعلامية والكاتبة: نانسي نبيل فودة
الكلمة: هي اللّفظ الذي يخرج من اللسان إلى الإنسان، يأخذ بصاحبه إلى طريقين:
إمّا الجنة أو النار.
الكلمة في وصفها هيّنة النُّطق، لكنّ أثرها كبير على النفس والغَير.
الكلمة: هي أحرف مركّبة، بسيطة، متماسكة، تنتج في النهاية كلمة لها الكثير من المعاني والدلالات عند خروجها، ملزمٌ بها صاحبها أمام الله ثم الغير، سواء كانت من خلال عهد أو وعد أو التزام أو ميثاق، فهي بمثابة كلمات تضيء طريق صاحبه عند إصراره على الوفاء بها والسعي لتحقيقها، أو أن تجعل حياته مظلمةً إذا أُخليَ بها وتهاون فيها، فقد أمَرنا الله تعالى بالوفاء بالعهد،
قال الله عزَّ وجلَّ: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 34]
يعني أنَّ الوفاء بالعهد مسؤول عنه الإنسان يوم القيامة، يسأل عن عهده، هل وفَّى به أم لا؟
كما قال الله تعالى: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ} [النحل:91]
فالتزام الإنسان بالكلمة، تجعله عالياً في نظر الجميع، فتضيء مستقبله، وتشرق حياته بكل خير، ويكون موضع إعجاب، لأنه تحلّى بصفةٍ أخلاقيّة وإنسانيّة حميدة، لها شأنٌ عظيم، فهي صِفة تكشف عن صِدق صاحبها واستقامته وقوتّه.
كما من شأنها تقوية الثقة المتبادلة بين الأفراد، وزيادة التعاون في المجتمع، وتقوية الروابط فيه، إنّ الوفاء بعهود الكلمة من السلوك الإسلامي، فمَن أسّسَ ونشأ على سلوكيات الإسلام، وقيمة الالتزام، فإنه يعلم تماماً معنى احترامه للكلمة والوفاء بها،
فإنّ نقضَ عهد الكلمة يؤدّي إلى تنافر قلوب الناس، وخَلقِ الكثير من المشكلات والمكائد، وبالتالي: عدم قدرتهم على التعايش والتعاون، فقد حثّنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على الوفاء بالكلمة، ولا تخرج أي كلمة إلا ويكون الإنسان قادراً ويعلم شديد العلم على أنه سيفي بما قال، وحذّرَنا من التلاعب والإخلال بأيّ كلمةٍ التزم بها الإنسان، وخرجتْ على لسانه، فعند الإخلال، سيقع في صفة النفاق.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربعٌ من كُنَّ فيه، كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهنَّ، كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها:
إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر).
فقد سعى الغرب إلى الاقتداء بنا في صفاتنا الأخلاقية، وخاصةً الالتزام بالعهود والوعود، لأنهم يعلمون جيداً أن في ذلك قيام الأمم والحضارات وقوة الدولة، كما يقال أن أناس هذه الدولة كلمتهم واحدة لا يتراجعون عنها أبداً، لأنهم عاهدوا بها والتزموا أمام جميع الدول، فتعلم باقي الدول أن ليس هناك مجال للمداولة لتغيير عهد أو اتفاق لكلمة تمّ الالتزام بها مسبقاً.
ومن هنا، سواء كنت صغيراً أو كبيراً، شاباً أو كهلاً، فإن لسانك موقفك، فلا تُهِنهُ ولا تُكثر في وعودٍ لا تستطيع الوفاء بها، فكُنْ حذراً، فلسانك أمانة، لا تجعله ينطق ما لا تستطيع الوفاء به.