الحياة بين الماضي والحاضر
الباحثة الإعلامية والكاتبة
نانسي نبيل فودة
المقارنة بين الأساليب المعيشية بين الماضي والحاضر، يتطلب التطرق إلى بعض الأمور، منها العديد في المراحل الحياتية التي عايشناها بالفعل، ومنها ما تم سردها من خلال أجدادنا وآبائنا، فعلى الرغم من أن الحياة سابقًا كانت مجردة من الكثير من الرفاهية التكنولوجية، والأجهزة الإلكترونية فإنها كانت مليئة بالدفء الأسري، والتماسك والترابط والمحبة بين الإخوة، ومد الوصال والود بين جميع أفراد العائلة، فكانوا كالجسد الواحد، إذا اشتكى عضو تألم الجميع، وإذا تداوى عضو تعافى الجميع، فجميعهم واحد، الحزن مشترك والفرح مشترك.
كانت تملأ البيوت جميع أنواع الخير، يسود فيما بينهم مبدأ الاحترام ورقي المعاملة، تتبادل فيما بينهم أدوار التضحية للآخر والمفاضلة عن النفس والذات، ينتشر النصح والإرشاد ويجاب بالطاعة والرضا، تُعمر البيوت بالتعاليم الدينية والمبادئ والقيم الحميدة، فكل فرد يعلم دوره ويقوم به على أكمل وجه دون أن ينظر إلى غيره.
كانت السيادة في هذه الحياة للفطرة والطبيعة، وصلة الأرحام والرحمة، فأخرجت رجالًا ونساء أصحاء أسوياء، إلى أن خطت الحياة نحو خطوات متتالية لتنقلنا إلى حياة جديدة حاضرة، نعيش فيها ونحكم عليها فيما بيننا، فنحن سابقًا لا نعلم قيمة ما عشناه وما اكتسبناه وما ترعرعنا عليه، إلى أن أخذنا درسًا قاسيًا من وهم الحاضر، وعشنا التجارب التي فرضتها علينا الحياة الحاضرة من خلال أكذوبة التمدن والتحضر التكنولوجي، فأحدثت هذه الحياة الخلل والتفكك الأسري الناتج من استبداله بالأسرة أصدقاء التكنولوجيا، فكانوا هم الموجه الأساسي والأكثر تأثيرًا فيما بينهم من خلال الأدوات التكنولوجية المستخدمة، وابتعدت الأسرة عن التوجية والإرشاد بسبب انشغالهم في توفير الاحتياجات الأساسية التي أصبحت من الصعب الحصول عليها، كما قطعت صلات الأرحام، وحبل وصال أفراد الأسرة فيما بينهم، وأصبح حب الذات هو الشاغل الرئيسي والأساسي للكثير من الأفراد وبين الإخوة والأصدقاء، وانتشر حب المال وحب المظاهر والكذب والأحقاد، وقلت التعاليم الدينية بشكل كبير، وكثرت دوائر العنف داخل المجتمع، والجرائم التي تذهب العقل، وكثُر أكل الميراث مع وضع أعذار شيطانية، وسيطرت التقاليد الغربية على عقول الشباب.
كما انتشرت الألفاظ والكلمات التي تستحي الآذان من سماعها، وقلت البركة في البيوت، واندثرت السعادة داخل حياة الفرد؛ لأنه استبدل بلحظات السعادة التي تمر عليه أداة عقيمة ظن أنها تحقق له المستحيل، وهي ليست إلا أداة للسيطرة على الأذهان والعقول وتطويع الفرد تحت ظلال الوهم التكنولوجي، ليخرج بعد ذلك شباب ورجال ونساء سقط من حياتهم الكثير من العوامل الهامة لبناء شخصيتهم لتصبح شخصياتهم وحياتهم هشة، تسقط في أي موقف أو صراع؛ لتصبح حياتهم ليس لها أي معنى أو هدف إلى أن تنتهي حياتهم فيصبحوا في طي النسيان.
فكونوا أكثر فطنة وحذرا، واستمتعوا بلحظاتكم مع آبائكم وأمهاتكم وأحبابكم وأولادكم، وانشروا السعادة والحب فيما بينكم، وتمسكوا بمبادئكم الراسخة، وتغلبوا على إضاعة الوقت؛ لتعيشوا لحظات حياة تصنعونها بأنفسكم، مليئة بجمال الحياة وقيمها.