2024
Adsense
مقالات صحفية

دوامة الحياة/ الفصل الرابع هذا قدر الله

سليمان بن حمد العامري

وتأسيسًا على ذلك فليعلم الإنسان مهما وصل إليه من علم ومعرفة، فإن علمه لا يزال قاصرًا أمام هذا الكون الفسيح وما فيه من علم وغيبيات، فأمر الله سابق؛ فبيده مفاتيح كل شيء، يُحيي من يشاء ويُميت من يشاء، وهو على كل شيء قدير.

ها هم يَصِلُون عُمر ومعه عيسى إلى المستشفى، والتساؤلات تملأ أذهانهم، وشكوك تأكل قلوبهم٬ صمتٌ يعم المكان، وخطوات يخطونها متسارعة ليصلوا إلى مقر الطوارئ كما أخبرهم أبو سارة٬ والمكان يزداد بالازدحام.

يبحثون عن أبي سارة وعن أمها، ينظرون يمينًا مرة ويسارًا مرة أخرى.
قال عُمر: عيسى أين هم يا ترى!!!! هيا نسأل أحداً.
فرد عيسى: من نسأل يا عُمر، أترى الكل في همّهِ، والكل مشغول، فلنبحث عنهم هناك لعلنا نجدهم بين الزحام.ثم أردف قائلًا: لحظة يا عُمر، هناك حارس أمن ممكن نسأله ويدلنا عليهم.
– مرحبًا أخي.
– حارس الأمن: أهلاً وسهلاً، تفضلا٬كيف أساعدكم؟
– هل ممكن أن تبحث عن رجل هو وزوجته.
– سوف أحاول.
– طيب، شكرًا لك على ذلك؛ الاسم هو (أبو سارة)
فرد عليهم: تعلمون بأن الأسماء هنا الآن تصعب عليّ، ولكن لحظة سوف نناديه بمكبر الصوت حتى ولو كان الأمر صعباً مع ضجيج الازدحام٬ فتمت المناداة عليه٬ فسمع أبو سارة النداء٬ وفي نفسه يقول: “ماذا الآن يا رب، ارحمني، ودموعه متحجرة في عينيه، ويردد يا رب رحماك.”، حتى وصل إلى مكتب الأمن، فنظر أمامه، إلا وأمامه عُمر وعيسى، فانفجر بالبكاء وهو يحضن عُمر ويقول له؛ قرة عين أبيك قد توفاها الله، لم يعلم ماذا يقول ظل عُمر صامتًا.

يظن أن أبو سارة قد أصابه الخرف والجنون٬ وهو يهز كتفي أبي سارة٬ قائلاً له أين أختي، أين أم سارة٬ يزداد أبو سارة بكاءً وهو يصرخ بألم وحرقة، ألم تسمع أختك قد فارقت الحياة.
وهكذا تم تشييع جنازة أم سارة وتم دفنها، وسارة في غيبوبة عميقة في الشهر الأول، الدكتور يقول: “لا أمل لها بالبقاء فحالتها لا تتحسن، ولا تستجيب للعلاج.”
عيسى: “يا رب إني توكلت عليك فاخرجها مما هي عليه”.
حال أبا سارة يرثى له ويزداد سوءً كل يوم، ففي كل يوم يكبر القلق أكثر، وهم التفكير يوشك على قتله، وعيسى لا يعلم أين يكون عند عمه وأبنائه، أم يطمئن على سارة ويتابع حالها.

هنا وفي الصباح الباكر، يرن هاتف عيسى ليوقظه من نومه، أمسك الهاتف، ورد عيسى: مرحبا.
المتصل: أهلاً وسهلًا، معك الدكتور الذي يعالج سارة، هل من الممكن أن تأتي حالاً إلى المستشفى.
– نعم دكتور، ولكن طمئني، هل أصاب سارة مكروه؟
فرد عليه: لا تخف، الأمور مستقرة، ولكن أرجو أن تأتي بأسرع وقت..
– الحمد لله، الحمد لله، حسنًا دكتور مسافة الطريق وسوف أكون عندك.
وعند وصول عيسى إلى المستشفى واتجه إلى غرفة الدكتور، فطرق الباب.
الدكتور: تفضل.
دخل عيسى، ثم بادر الدكتور بالتحية: مرحبًا عيسى تفضل بالجلوس٬ وكان الخوف يظهر على ملامح وجه عيسى، ودقات قلبه تتسارع، وهو يقول في نفسه؛ يا رب اجعل الأمر خيرا٬ وهو ينظر للدكتور والدكتور ما كان يعير عيسى اهتمام وهو يُقلب الأوراق والملفات التي أمامه، وأحيانًا يكتب على الحاسوب٬ فكانت أصوات لوحة المفاتيح تخيف عيسى كأنها دقات قلبه٬ فنظر الدكتور إلى عين عيسى بنظرة جعلته يعيد ماضي سارة عندما يحدثها في الهاتف وهي تقول له: “لا تتخل عني يا عيسى مهما صار، وما يفرق بيننا إلا الموت إن شاء الله.”
الدكتور: أرجو أن تسامحني على التأخير، كان يجب عليّ الانتهاء من تقرير حالة الوفاة٬ سمع عيسى كلمة الوفاة فجف ريقه، فتخدرت أطراف قدميه ويده، برد جسده وصار يرتعش، ولونه صار شاحبًا، استجمع كل طاقته حتى يسأل: تقرير وفاة من؟
ليس لسارة، أليس كذلك، كاد أن يبكي، حتى أجابه الدكتور: “ليس لسارة وإنما واحدة من الفتيات اللاتي معها في ذلك اليوم.”
هل يقول الحمد لله أنها ليست سارة ويفرح، أم يكتمها في قلبه وهو يعلم أن قلوبًا أخرى لا يعلمها تعتصر.
عيسى: إذن لماذا استدعيتني للحضور، ماذا بها سارة؟
الدكتور: هناك انفراجات ظاهرة على المستوى الصحي لسارة، لقد لاحظنا أن هناك تحسنًا في المؤشرات الحيوية، بدأت تفتح عينيها وتستجيب للضوء، تحرك أصابعها، الحمد لله هناك فرق كبير ما بين اليوم والأمس، وما هي إلا مسألة وقت يا أخي، ويجمعكم الله مرة أخرى وهي معكم تشارككم الحديث والمشي وتعود لحياتها الطبيعية، لا تيأس وأكثر من الدعاء.
لم يعرف عيسى كيف يرد عليه، أي عبارة شكر لأجل كلمات الطمأنينة التي كان بأشد الحاجة لها، أوشك على تقبيل يده، ولكن الدكتور منعه وأخبره كنا نتمنى للجميع أن يُشفى وألا يحرم أحد من ولده أو ابنته. ثم أردف قائلًا : أراك قريبًا إن شاء الله.
خرج عيسى من المستشفى بأقصى سرعة ممكنة ليبشر أبا سارة.

يتبع في الفصل الخامس بإذن الله…

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights