لن أموت مرتين
إلهام السيابي
ليلة حالكة السواد، وألم الفراق يهز كل أوصالها، ما تزال غير مصدقة أنها فقدت زوجها، حبيبها، بهجة روحها وبسمة يومها، ما تزال تلفها لحظات تجده بجانبها، وفجأة تتيقن أنه ليس إلا خيال حبيب زائر ليخفف عنها وحدتها وقسوة الأيام عليها.
ترددت أصوات أطفالها في جوانب غرفتها ضحكاتهم، همساتهم، بكائهم، وصراخهم، ويتعالى الضجيج، وفجأة يعم الصمت إلا من صوت بكائها ونحيبها على أيام مضت، وأحلام هدمت وٱمال ما تزال ترسم، تأملت صورة بجانب سريرها تضم زوجها وابنيها طلال وهلال وابنتها الصغيرة دلال.
لم يعودوا صغارا كما تراهم الٱن، تزوجوا وأنجبوا، ولكنهم نسوا أمهم في خضم حياتهم الأسرية ومسؤلياتهم الجديدة، وأنها لم يبق لها أحد بعد زوجها إلا حبهم واهتمامهم بها، تذكرت أنها ليست وحيدة، فمسحت دموعها، قد يظن بعضهم أنها ستتصل بأقرب أقربائها لتبث له ما يعتريها من ضيق لتشتكي وتفضفض؛ لتزيح همومها، وتصفي ذاتها من هواجس النفس الخفية ووسوستها الدنيوية، لم تعد صديقاتها مثل سابق عدها بهن، فكلهم في هذا الزمن يبحث عن مصلحته، وهي لا تلوم أحدا، لقد تركت العمل لتتفرغ لبيتها وأولادها وزوجها، ولكنها الٱن تجد نفسها وحيدة بين أربعة جدران.
لِمَ عليها أن ترسم خط حياتها كبقية النساء؟ هي تعرف أنها تستطيع أن تعطي وتبدع في العطاء، إن كان أبناؤها قد تناسوها فهناك آلاف الأطفال بحاجة إلى حضن أم تحتويهم ترسم ابتسامة جديدة لحيات أطفال آخرين ليبقى لها بصمة حلوة يتذكرها بها الآخرون، مدت سجادة صلاتها وهي تكثر الاستغفار والحمد على كثرة عطاياه ورحمته، فقد أخذ منها زوجها وتباعدت اتصالات أولادها إلا أنها رسمت لنفسها طريقا جديدا أعاد إليها السعادة الحقيقية في العطاء، فقد تطوعت لتكون أما بديلة في دار للأيتام، ملجأ صغير لهم، ولكنه رسم بحياتها ابتسامة جديدة، لم تعد تهتم إذا اتصل أبناؤها أو حضروا أو لم يحضروا، تركتهم ليخططوا حياتهم مثلما يريدون ويشتهون، تحبهم! نعم، ولكنها منحتهم من وقتها ما فيه الكفاية في الوقت الحاضر لها الحق أن تعيش بما يرضي الله، هناك من يحتاج إليها، وقد سخرها الله لهم لتعيش عمرا جديدا بينهم، وها هي تحمد الله على ذلك، ففي كل ليلة قبل أن تنام تصلي صلاة شكر لله على كل نعمة أعطاها، فلله ما أخذ، ولله ما أعطى.