حرية الفشل
عصام بن راشد المغيزوي
نعيش حياة قصيرة، يكون هدفنا الأساسي فيها الاستمتاع بكل لحظاتها، نسعى لتحقيق أكبر قدر من أحلامنا، وفي طريقنا نتعثر بصخور الفشل ونصطدم بحاجز اليأس. ندرك أن السبيل الوحيد لإكمال رحلة الحياة هو النهوض، ونفض غبار الهزيمة السابقة، وإكمال رحلة الحياة، رغم كل الحزن الذي يسكن قلوبنا.
قطار الحياة لن يقف عند محطة معينة، لمجرد أن بعض الركاب تخلفوا عن الصعود على متنه، وقصة الكون ستكمل خط سطورها حتى وإن توقفت بعض الأيادي عن الكتابة.
كثيرون من رحلوا من على سطح كوكبنا، وكثيرون من أتوا إليه، لم تستطع الحياة أن تخلد سير الكل؛ فأعدادهم كانت كثيرة، ولكنها خلدت بصمات بعضهم، بصمات أولئك الذين رحلوا جسدًا وتركوا أثراً، وخلدوا نجاحات عظيمة لا يمكن تجاهلها. أنت كذلك، لست سوى رقم أضيف لهذه الحياة، عملك القادم هو ما سيحدد قيمة رقمك، هو ما سيجعل الحياة تقرر أن تخلدك ذكرًا أو تنفيك إلى كهوف النسيان. كن ثريًا بأعمالك، عظيمًا بطموحك، شامخًا بأحلامك، وتذكر أن أثرى الأشخاص الذين ليسوا أولئك الذين يستطيعون شراء كل شيء في هذه الحياة، بل هم أولئك الأفراد الذين لم تستطع الحياة تعويضهم بعد رحيلهم، فقامت بتخليد سيرهم.
جنة النجاح لا بد وأن تحتوي على بعض أشواك الفشل، الشخص الناجح هو ذلك الذي يستطيع حمل ورود النجاح ويداه تدميان بفعل أشواك الفشل، وعيناه تدمعان من شدة الألم. علاقة الفشل بالنجاح، هي علاقة وطيدة، فلا نجاح من دون فشل، ولا خاتمة سعيدة من دون بداية حزينة. في حقيقة الأمر، يمكن تعريف الفشل على أنه القلم الذي نكتب به قصة النجاح، والجناح الذي نحلق به إلى أرض السعادة. في طريقك لمعانقة طموحاتك، ستتعثر بصخور الفشل، سيكون سقوطك مؤلمًا، ستهاجمك بعض الأوهام؛ لترغمك على اتخاذ قرار الانسحاب، لا تفعل، وتذكر أن فشلك يعني أنك في الطريق الصحيح، حتى وإن كنت لا ترى النور الذي في نهاية النفق الآن، استمر في خوض غمار مغامرتك، وتذكر أن قرارك بالانسحاب من مغامرتك هو القرار الأسوأ، والوحيد الذي قد يقتل أحلامك في مهدها.
الأمر الرائع عند الحديث عن الفشل، هو امتلاكنا حرية تامة في الفشل، فنحن لا نعلم عدد المرات التي سنفشل فيها، ولا نعلم مدى شدة الألم التي سيتركها الفشل إلا بعد خوض مغامرتنا في الحياة. عند متابعتي إحدى محاضرات مؤسس فيسبوك (مارك زويكربرغ)، أثارت إحدى العبارات إعجابي حينما تحدث عن حرية الفشل قائلاً:” فيسبوك لم يكن أول شيء بنيته، بنيت أيضًا أنظمة دردشة، وألعابا، أدوات دراسة، ومشغلات موسيقية، وأنا لست الوحيد، فراولينغ، تم رفضها 12 مرة قبل أن تكتب وتنشر سلسة هاري بورتر، حتى بيونسي، كان عليها أن تألف مئات الأغاني، قبل أن تنجح، أعظم النجاحات، تأتي من التمتع بحرية الفشل”. تمتع بحرية تامة في فشلك، واسع لتحقيق نجاحك بكل عزم.
إلى أولئك الذين أغلقوا نوافذهم عند مواجهة الخريف، أعيدوا فتح نوافذكم لتمتعوا ناظريكم بسحر الربيع، ولتشاهدوا كيف يُعيد الربيع الحياة إلى أوراق أشجاركم، بعد أن تساقطت واحدة تلو الأخرى في الخريف. كونوا أنتم أبطال القصص القادمة التي ستخلدها الحياة في أنفس الصحائف، عودوا إلى معادلة الحياة لتكونوا أنتم الرقم الذي يصعب على هذه الحياة تغييرها، والأثرياء الذين يستحيل تعويضهم.