خوفك هو سجنك
بلقيس آلبوسعيدية
هل سألت نفسك يومًا ما الذي يمكن لك أن تفعله لو لم تكن خائفًا؟
يعتبر الخوف من أكثر المشاعر سلبية في حياتنا، فهو جزء أصيل من تكويننا الإنساني، شعور طبيعي لا يمكن التحكم به، فكل إنسانٍ سويّ يراوده إحساس الخوف من حينٍ لآخر.
يطرق الخوف جدران قلوبنا عبر تجاربنا المختلفة في الحياة، فهو يعمل كإنذارٍ طبيعيّ، يرشد خطواتنا التائهة نحو وجهات خالية من المخاطر التي قد تزعزع ثقتنا بأنفسنا، فقد يأتي الخوف أحيانًا حليفًا حاذقًا يوقظنا من غفلتنا في بعض المواقف ويجعلنا نتحسّس معالم الطريق الذي نسير فيه نحو وجهة نرجوها، وقد يسيطر الخوف على نواحٍ عديدة من حياتنا فيجعلنا عالقين في أنصاف الطرقات لقصصٍ ناقصة صرنا فيها الطرف الجامد كصخرة صماء، الطرف الذي يخشى التقدم خطوةً واحدة نحو الأمام خشية أن يصطدم بنهاية تهدّم سقف توقعاته.
يؤدي الخوف إلى نزع ثقة الإنسان بنفسه فيتحول من شخصٍ مفعم بالأملِ والقوة إلى شخصٍ خائف وعاجز عن خوض غمار الحياة والاستمتاع بها وتجربة دهشة الأشياء الجديدة منها، وقد يمنحه أيضًا شعور بأنه شخص ضعيف، مكسور وغير صالح للحياة ولا لبناء علاقات جديدة، ولا لتجربة العيش في أماكن بعيدة لم تطأها أقدامه من قبل ومع أشخاص يقابلهم للمرّة الأولى.
يولد الخوف من رحم مواقفنا الحياتية القاسية وعلاقاتنا الخاطئة التي نخرج منها بأرواح مكلومة ونفوس هشّة وقلوب ممتلئة بمشاعر ثقيلة لا نقوى على حمل أوزارها، يظلّ إحساس الخوف يكبر ويتعاظم فينا مع تغيّر المواقف والظروف، وتبدّل الأشخاص والزمان والمكان.
غالبًا ما يأتي الخوف مكشرًا عن أنيابه طامعًا في نزع سلامنا واطمئنانا، لجعلنا أجساد متعبة تسكنها أرواح مرتعبة وقلوب مرتعدة تعانقها ارتعاشة القلق، يأتي حاملًا معه ظلام دامس يعمي وجه الحياة في أعيننا، يجعلنا نتوه مع أنفسنا ونلوم ذواتنا على كل تجربةٍ خرجنا منها بجيوب فارغة وأرواح مكلومة، فقد تتضح معالم الخوف في ملامحنا المنكسرة، في رجفة أصواتنا، وفي ارتعاشة أجسادنا وتضارب أنفاسنا.
للخوف سطوة قاسية فقد ينفذ البعض منها من خلال ردود أفعاله مع أول نبض خائف يطرق جدران قلبه، وقد يبقى البعض حبيس زنزانة الخوف إلى الأبد فيفقد نفسه ويفقد معها لذّة الحياة ومعانيها، فكل حربٍ نشنها على الخوف هي حرب خاسرة حتمًا.
فكم مرّة ترددت عن خوض تجربة جديدة خوفًا من أن تكون فيها الطرف الخاسر؟ وكم مرّة أغلقت على نفسك أبواب الكلام وسكبت حروفك في فم السكوت وبقيت صامتًا خوفًا من ألا تسعفك الكلمات في وصف مشاعرك؟ وكم مرّة تجاهلت رغبتك الشديدة تجاه أمر ما خوفًا من الرفض؟
تخاف وتظل تائها حائرًا تسأل نفسك:
هل تستمر بالمثابرة لنزع إحساس الخوف عن قلبك أم أنك تستلم له وتخضع لسطوته؟
نعم، فكل فرص نجاتك ضائعة ما دمت متمسكًا بالخوف، خاضعًا لسطوته.
أما آن الأوان كي تسطع شمس الاطمئنان في صدرك، لتشق ليل ظلامك وتنفض معها غبار الخوف عن قلبك؟
افهم نفسك، صادق مخاوفك، لا تجعل الخوف عائقًا يمنعك من الانخراط في الحياة، تنفس مشاعرك ومارس أشياء تحبها وتمنحك راحة ذهنية تساعدك على زيادة شعورك بقيمتك الذاتية، امنح نفسك وقتًا كافيًا للاسترخاء، لمساعدتها على تقليل ضغوطات الحياة.
حب نفسك، رممّ كل جزءٍ أتلفته فيك التجارب التي تجرّعت مرها صابرًا، تحرر من فخّ وهمك واخلق فرصًا لنجاتك؛ لتكتشف ذاتك وتعانق روحك من جديد.
لا تكن مفرط الحساسية تجاه الأشياء النابضة من حولك. تقبّل عيوبك واكسر حاجز الخوف ما بينك وبين الآخرين، أعطِ نفسك الفرصة لتقترب منهم، لتبني علاقات وطيدة وسليمة معهم.
كن راضيًا عنك فالرضا يمنحك الشجاعة الكافية لمواجهة مخاوفك ومواصلة عيش الحياة بحريّة طير وبقلب مغامر لا يعرف معنى للخوف، قلب لا يخوض حربًا إلا ويخرج منها منتصر.
في كل لحظة خوف تذكر أنك ما زلت هنا تتنفس الحياة لتعيش فيها بدافع الحب لا بدافع الخوف، فلا يوجد شيء على هذه الأرض ما يستحق أن نخاف منه إلا الخوف نفسه.