صلالة الطبيعة الساحرة .. برفقة الماء، والخضرة، والوجه الحسن.
حمود الحارثي
كالعادة في كل عام أشد الرحال برفقة العائلة إلى وجهة سياحية داخل الوطن العزيز كانت، أو إلى دولة أخرى.
إلا أن هذا العام، ونزولا عند رغبة أفراد العائلة كانت الوجهة إلى أرض الأصالة وعقيق اللبان للاستمتاع بموسم خريف ٢٠٢٢م.
حيث جاءت هذه الزيارة التي كان قوامها إحدى عشر يوما بعد انقطاع تسع سنوات من آخر زيارة لنا لمحافظة ظفار.
انطلقنا بتوفيق من الله من المضيرب العزيزة في تمام الساعة الخامسة من صباح يوم الرابع والعشرون من شهر يوليو الخالد في الذاكرة، وكان وصولنا عند الساعة الثانية من مساء ذات اليوم فكانت الخضرة، والرذاذ، أول من استقبلنا صاحبنا العزيز خليفه الناعبي زميل الدراسة، والعمل مشكوراً . حيث هيَّأ لنا مكان الإقامة في المنطقة التي لطالما أحببتها بالدهاريز الجنوبية حيث أشجار النارجيل تحيط بالمكان، مظللة لشوارعها المتزينة بأكشاك بيع الفواكه الموسمية التي يتميز بها فصل الخريف، أهمها المشلي، والنارجيل، وقصب السكر، وغيرها الكثير مما لذ وطاب، والتي كانت على الدوام نقطة الانطلاق في كل صباح، ومحطة الاستراحة في نهاية كل مساء يوم جميل قضيناه بين جنبات عين ماء، وسهل، ووادي قبل الخلود إلى نوم هانئ متوشح برائحة المطر.
نقلنا بعدها بعدة أيام موقع إقامتنا إلى مجمع بنايات الواجهة البحرية على شاطئ الدهاريز حسب برنامج الرحلة المعد مسبقاً. حيث يبقى الخيار الأمثل، والأجمل للإقامة حتى نهاية الرحلة الرائعة (الأنيقة صلالة).
بطبيعة الحال، جمال الرحلة لا يكتمل إلا بالماء، والخضرة، والوجه الحسن فهي الهدف، والمقصد الأساسي من الرحلة فكان للماء، والخضرة، ومعانقة الغيوم للأرض، والرذاذ الذي يسقي النفوس المتعطشة لمعانقة جمال الأرض، ومروجها الخضراء في السهل، والجبل بالغ الأثر في إضفاء البهجة، والسرور، أما الوجه الحسن فكان برفقتي من المضيرب إلى صلالة، حيث أنني ما وجدت جمالا، وحسنا أجمل من رفاق سفري، ولن أجد.
رحلة بفضل الله، وتوفيقه كانت مكللة بالنجاح، والتوفيق التام سهلة ميسرة من المبتدأ حتى المنتهى ،زرنا خلالها ولاية طاقة، ومنطقة البليد، والمغسيل وافتلقوت، وسهل أتين، ووادي دربات الساحر، وعين حمران، وأرزات، وصحلنوت، وأثوم، وعين جرزيز التي جمعتنا في جو أسري مع العزيزين عبدالله المنجي، وخليفه الناعبي اللذين تزامن وجودهما برفقة عائلتيهما مع وجودنا على وجبة غداء تبقى من أجمل ذكريات الرحلة السعيدة، فقد كان لقاء عائلي ساده السرور، وفرح الأطفال زاده بهجة، وحبور في جو غائم تعطره زخات الرذاذ المتطايرة على الوجوه كورود الياسمين.
أمر في كل مساء بسوق الحافة، ذلك السوق التاريخي الذي يعطرك برائحة البخور، واللبان قبل وصولك إليه، والذي يعتبر المحطة الأهم لزوار صلالة للتزود بالهدايا التذكارية للأهل، والأحباب فهو المقصد الأخير في نهاية كل مساء كما جرت العادة. حيث تكتفي بالتجول بين جنباته لما له من جمالية استثنائية في موسم الخريف، إلا أن إحداث التغيير من خلال وجود إنشاءات لم تكتمل بعد على الواجهة البحرية لسوق الحافة قد أخذت قليلا من جمالية السوق وعبقه التاريخي، الذي بلا شك سيتغير معه الحال بعد إكتمالها ليعود السوق أكثر جمالا، وبهاءا مما كان، وإن كان قد وجدت معه اتساعا أكبر في مواقف السيارات التي لطالما شكلت أزمة لمرتادي السوق فيما مضى، مرورا بسوق القوف.
بكل تأكيد، لم تكن الرحلة لتكون بذلك القدر من التيسير كما ذكرت لولا توفيق من الله أولا، وثانيا بما بذلته جهات الاختصاص المختلفة من جهود في تهيئة المحافظة لاستقبال زوارها يقينًا تستحق الإشادة، والثناء.
والبداية من ولاية أدم بمحافظة الداخلية، حيث بداية الطريق المزدوج إلى ولاية هيما بمحافظة الوسطى، التي تعتبر تقريباً نقطة منتصف الطريق، وما زالت أعمال ازدواجية شارع هيما – ثمريت مستمرة.
كما أن مراكز نقاط شرطة عمان السلطانية التي تجدها على امتداد طريق الرحلة تضفي على المسافرين، لا سيما من هم بصحبة عوائلهم راحة، وسكينة، واطمئنان.
أضف إلى ذلك عند وصولك لمحافظة ظفار تجد جهد آخر أعظم من سابقه تلمسه من خلال حسن تنظيم، وتيسير، وتسريع حركة المرور على الرغم من ذلك الكم الهائل لعدد زوار هذا العام للمحافظة، الأمر الذي تعجز معه كلمات الشكر وصفا، وتعبيرا، ومعنى.
والذي يأتي منسجم مع حسن تنظيم المواقع السياحية، وتوفير الخدمات العامة، والتجارية في مختلف المواقع التي حظيت بزيارتها، وهذا ينم عن جهود مخلصة جبارة، وتنسيق رفيع المستوى مبذولًا من خلف الكواليس، قد أبدعت في حسن إدارتها، وآلية الرقابة عليها، استنتاجا من خلال جودة المخرجات، الذي يلامسه كل زائر، فالشكر، والثناء موصول أجزله للجان الإعداد، والتنظيم المشرفة على موسم خريف ٢٠٢٢م، والشكر موصول لأبناء محافظة ظفار على جميل الاستقبال، وكرم الضيافة المعهود من أبناء المحافظة.
وما أبهجني كثيراً وأدخل السرور إلى قلبي ما شاهدته من مشاركة أبناء محافظة شمال الشرقية في فعاليات خريف ٢٠٢٢م. حيث سعدت بلقاء الشاب الخلوق المجتهد يوسف بن يعقوب الفارسي من ولاية المضيبي في وادي دربات من خلال إدارته لمشروعه الحصن للحلوى العمانية.
كما أسعدني كثيراً مشاركة أبناء ولاية بدية من خلال مشروع مطعم جيزان على مدخل جبل سهل أتين الذي كان لنا وقفات عديدة فيه لتناول وجبة الغداء.
وإنه لمن حسن الطالع وأنا أودع سهل أتين قبل مغادرتي لمحافظة ظفار في طريق العودة لقائي بالفنانة القديرة العزيزة، اللطيفة، المتواضعة، الباسمة ، أمينة عبد الرسول فكانت مسك الختام للرحلة السعيدة. حيث سعدت بلقائها، وبالحوار الثري الذي دار بيننا، وكان على عجالة ، وثقناه بالتقاط بعض الصور التذكارية مع شخصيتها المرحة التي تسكن القلوب على الدوام لتبقى رحلة خريف صلالة ٢٠٢٢م مكتملة أركان السعادة، والأروع من بين ما مضى من رحلات.
توافقا مع خطة برنامج رحلتنا للجميلة صلالة التي انتهت مساء يوم الثالث من أغسطس، والعودة إلى الديار بعد رحلة قضيناها بصحبة الأحبة في ربوع المروج الخضراء في أرض الأصالة، والنفس تمني ذاتها بإطالة مدة البقاء إلا أن الحنين لرؤية الأهل، والأصدقاء قد أخذ في القلب مأخذه، وكما قال الشاعر :
كم منزل في الأرض يألفه
الفتى، وحنينه أبدا لأول منزل
في طريق العودة لا أنسى العزيز سيف المحروقي المقيم في ولاية هيما بمحافظة الوسطى بحكم العمل الذي حظينا بالتواصل معه خلال الرحلة. حيث هيأ لنا سكن مريح بولاية هيما لنستريح من عناء السفر نظرا لبعد المسافة من محافظة ظفار إلى محافظة شمال الشرقية التي تبلغ قرابة 1000كم، وكنا سنسعد بلقائه لولا أن كان وصولنا مبكراً للولاية، حيث وجدنا بأنه ما زال لدينا متسعًا من الوقت، والجهد لمواصلة طريق الرحلة قبل غروب الشمس، فكان قرار الاستمرار حاضرا، لنبعث له، ونحن نغادر ولاية هيما برسالة أخوية عبرت عن بالغ شكرنا، وامتناننا لشخصه العزيز على حسن الاستقبال، وكرم الضيافة. لما نما إلى علمي ما قام به مشكوراً من تجهيزات لاستقبالنا وليس بغريب عليه ذلك يقينا.
كان الوصول بحمد الله، وتوفيقه لمنزلنا ببلدة المضيرب بولاية القابل – محافظة شمال الشرقية في تمام الساعة الثانية عشرة، والنصف من صباح يوم الرابع من أغسطس لنخلد إلى نوم عميق زينته أحلام جميلة، وأصبحنا بفضل الله على خير، والحمد لله على ما أسدى، وأنعم.
ستبقى الإحدى عشر يوما من أجمل أيام حياتي فقد كانت برفقة الماء، والخضرة، والوجه الحسن، وهذا هو غاية السرور، ومنتهى الطموح.
وآخر دعوانا : اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا .. اللهم استجابة.