ماذا لو صار قريبك حقودا ؟
أحمد بن سليم الحراصي
كم هي جميلة الأيام التي تعيشها مع أناس يحبونك وتحبهم! يسألون عنك وتسأل عنهم ، تسأل عن حاجتهم وتقضيها وتلوم نفسك في تقصيرك وتحاول دائما إرضاءهم بكل ما تملك لأجل أن يشعروا بأنك سندهم، وأنك شخص يليق بهم ، تراهم رائعين ويرونك أروع وما بين ليلة وضحاها تُعمى تلك العيون وتنسى ما فعلته لأجلهم؛ فتصبح في نظرهم مغرورًا بعدما كنت رائعًا، وتتوالى الأحداث السيئة فيما بينكما بعدما كانت حسنة وطيبة.
قيل ذات مرة: إن المحب من يراك رائعا والحاسد من يراك مغرورًا والناقص من ينتقدك وينسى نفسه، فالمحب يراك جميلًا في كل شيء ، في كل عمل تفعله، في أخلاقك، في لبسك، في طريقة كلامك، في أذواقك، في اختياراتك ، كل شيء بالنسبة له جميل ويليق بك ولا تجد منه شكوى على ذلك إلا عتابا والعتاب محبة حتى ولو كنت سيئًا في جانب فهو يراك بنظرة الحب ولا يعنيه شيئًا آخر من جوانبك السيئة، ولكن ماذا إن تحول هذا المحب القريب فجأة إلى حاسد؟
قد تتعدد الأسباب في أن كون من يحبك اليوم يصبح عدوك غدًا، ولكن يجب على المحب القريب أن يكون ناضجا بما يكفي ليعترف بأخطائه، وليس بحاجة إلى تحجيم المشكلة وتحويرها لدرجة شخصنة الأمور حتى تصبح زلة الفعل هذه إلى عداوة بين المحبين الأقارب فأضحوا أذلة بعدما كانوا أعزة؛ وذلك كله بسبب الشيطان مصداقا لقوله تعالى في كتابه العزيز (مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ). (يوسف: من الآية 100).
فلماذا لا يعترف المخطئ بخطئه وتنتهي المشكلة دون الحاجة إلى هذا الكم من الأخطاء وما بين الخطأ والآخر تتسع الفجوة وتكبر المشكلة وتكثر العداوة.
إذًا، المشكلة هو أننا لا نعترف بأخطائنا ونحاول أن نظهر بأننا على حق دائما، وننهش بعضنا ونتربص لبعضنا بعضًا ونحاول أن نوقع الطرف الآخر في مشكلة لكي نقتص منه، فما الداعي لكل هذا؟ غير أننا نسينا احترامنا لبعضنا وإن كان لذاتنا يكفي، فأنا دائما ما كنت أُقدم الاحترام على الحب؛ وذلك لأن الاحترام يبقى إن انتهى الحب ، فأنا أحترمك قبل أن أحبك وإن أحببتك ذات يوم فهذا يعني أنك كسبت الاحترام والحب ، وإن انتهى الحب فالاحترام يبقى ، فاحترامك لشخص ما قد يعني ربما لكبر سنه، وربما لأنه وحيد بلا أب يرعاه، وربما لأجل الأيام السابقة فالصفح أولى كما قيل لأجل الود ليس لأجله ،ولكن لأن المحب القريب يحاول نبش الأخطاء ويلومك على فساد هذه العلاقة، غير أنك لم تفعل شيئا يجيزه على فعل هذه المساوئ، حينها وفقط يسقط الاحترام.
فلو افترضنا أن أساس المشكلة مطالبة حقك من قريبك هذا قد تتعلق بالميراث أو بمطالبة تعويضك لأجل أشياء أنت من حقك أن تأخذها، فهذه كلها أمور ليس فيها شيء من أمور الأدب طالما أنها حقوق، ولكن يفاجئك هذا القريب بأن لديه شرطا ليعطيك حقك رغم تنازلك عن الكثير من الماديات لأجل ألا تحجم المشكلة فيما بينكما وتصل إلى المحاكم ، هذا الشرط هو من يجعل المشكلة تكبر ؛ لأنه شرط ظالم ومجحف بحقك فرغم تنازلك عن الكثير، تدفع قريبك هذا إلى افتعال المشكلة، فتشتعل الذروة بين الأقارب وتصل إلى الخصام وقطيعة الرحم والغيبة والنميمة فيما بينهم وكلها أمور لا تقبلها الشريعة الإسلامية الغرَّاء، يُكسب فيها ذنوب وهم بأنفسهم يعرفون أنهم في الطريق المغلوط وأن هذا الطريق لا مصلحة لهم فيه سوى بالظلم والتفكك والمزيد من التسيب والضياع.
كل خصوماتنا بين الأقارب تندرج في عاداتنا الاجتماعية في تقسيم الميراث فنجد أن العم أو الأخ يرفض في إعطاء الورثة حقهم بحجة أنه الوصي عليهم وهو أعلم بمصلحتهم منهم، وعاداتنا في الزواج فنجد أن الفتاة تُزوج من لا يهواه قلبها بحجة أنه ابن عمها أو ابن خالها وهو أحق بها من الغريب ثم سرعان ما تنفصل عنه لأسباب ربما تكون بأنه تم إجبارها على الزواج منه فتشتعل الخلافات بين الأقارب وتنشأ الخصومات وتتفاقم المشكلات فيصبح القريب يوما بعيدا بعدما كان الود بينهما والألفة والأخوة تغمرهما ، ثم عندما يطالب صاحب الحق بالتعويض يتم فرض الشروط عليه، دون الانتباه إلى أن أساس المشكلة وأصلها في التسرع باتخاذ القرارات ودون التفكير في كيفية رد اعتبارهم بل على العكس من ذلك يذلون أنفسهم ويفضحون اعتبارهم أمام أقاربهم ،فالعبرة كما قيل دائمًا تكون في الخواتيم.
المشكلات دائما ما تنتج الحقد والضغينة بين الأقارب وهذا أمر واقعي ولكن ولأن المشكلة تحتاج إلى حل وسطي ينهي هذه الخلافات دون تهويل وتضخيم ودون وضع الشروط ضد من يملك الحق؛ لأن وضع الشروط لصاحب الحق يقلل من الاحترام وهذا نوع من الظلم والإجحاف ، أعط صاحب الحق حقه دون شرط فهو تنازل لك عن أشياء لأجل احترامه لنفسه ولأجل أن لا تصل المواضيع بينكما إلى محاكم، فسيد الموقف هو من يمسك زمام الأمور وينهي الخلافات وليس من يثير الجدل ويفتعل المشكلات.