أرواحكم غالية، فلا ترخّصوها بالمغامرات في المياه الجارفة
خليفة بن سليمان المياحي
لقد منّ الله سبحانه وتعالى علينا بنعمة المطر، وقطر السماء، وأغاثنا بعد انحباس الماء، فسالت الجبال والأودية واعشوشبت الأرض، واخضوضرت الفيافي والقِفار، فكانت نعمة ما بعدها نعمة، وكرمٌ من الله تفضّل به على عباده.
لهذا يجب علينا أن نقابل تلك النّعَم بالشكر والحمد والثناء، فهو الذي بقدرته امتنّ علينا برحمته وفضله، وخلال الأيام الماضية وحتى يوم أمس، أسفنا جداً لمشاهدة مقاطع مصوّرة في بعض مجاري الأودية في وطننا الغالي – سلطنة عمان- وتلك المشاهد فيها من عدم المبالاة بالأرواح، فهناك مقاطع لشباب وأطفال يرمون أنفسهم في مياه الأودية، ومن أماكن مرتفعة، ويقفزون منها، وكأنهم في مأمنٍ من تلك المياه الغزيرة الجارفة؛ ليسبحوا (ويسيحوا) في الماء.
في البداية تُصيبهم نشوة الفرح والرغبة في إبراز الشخصية القوية (وكأنه بطل من الأبطال) وبعدها يتفاجؤون بحالةٍ من الذّعر والخوف والخطر وربما الهلاك (غرقاً).
فالمياه تحملهم هنا وهناك، وهم لا حيلةَ لهم ولا قوة، فتصطدمهم بالصخور أو تهوي بهم في بُرَكٍ عميقة.
ولا شيء يلزمهم بذلك، إلا أنهم أخذتهم العزّة بالإثم، ورغبوا في إضحاك الآخرين على حساب أنفسهم وأرواحهم بتلك التصرفات.
كما شاهدنا مقاطع أخرى لسائقي سيارات ذات دفعٍ رباعيّ مع أُسرهم (كزوجاتهم وأولادهم) أو حتى منفردين، فيغتروا بقوة سيارتهم، ويقوموا باستعراض ذلك أمام الآخرين في مشهد يعتبرونه هم (مشهداً بطولياً) ولكنّه ليس كذلك، وإنما هو استخفاف بالأرواح وعدم مبالاة بأنفسهم وبأرواح من معهم.
حتى إذا أدركهم الغرق نادوا بالصراخ والعويل؛ طالبين المساعدة، و النجدة والإنقاذ، ويا تُرى من يستطيع إنقاذهم؟
مع أنهم كانوا في مأمنٍ من الخطر، فأوقعوا أنفسهم ومن معهم؛ استكباراً ورغبة في المدح والثناء، وليُقال عنهم أنهم متمرسون في القيادة، وأن سياراتهم هي من نوع ( برمائية).
إنني أودّ القول أن أصحاب هذه المغامرات يتوهمون أنهم يمثّلون دور الأبطال أمام الآخرين، ولكن الحقيقة أنهم ينالون اللوم والسخط وعدم الرضى من الآخرين، بل وينادون بمعاقبة من يتعمّد المجازفة في مياه الأودية بالعقوبة لأنه عَرّضَ نفسه والآخرين للخطر، وربما للهلاك والموت.
دعوة صادقة من قلبٍ مشفق ومُحبّ إلى أولئك الذين يستعرضون عضلات قوتهم، وقوة مركباتهم، أقول لهم: (أرواحكم غالية فلا ترخصوها بالمغامرات) واعلموا أنكم حينما تفقدون أنفسكم، أو من معكم فإنكم توجعون أهلكم، وتفجعونهم بأخبارٍ قد تودي بحياتهم، فمهلاً ثمّ مهلاً، فالحياة قصيرة وليس هناك أيّ داعٍ في للهلاك.
حفظنا الله وإيّاكم من كلّ شرّ ومكروه.