2024
Adsense
مقالات صحفية

الإسم شايع والبطن جايع

حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة

للأمثال الشعبية جمالها في اللغة وكذلك في المضمون، حيث يعكس المثل الشعبي “الإسم شايع والبطن جايع” الواقع الذي يعيشه بعض الأشخاص، فما نراه بأعيننا لا يعكس الواقع في الغالب، وكذلك عندما نرى ظاهر الأشخاص بالتظاهر وحب المظاهر في اللباس ونوع السيارة والهاتف المحمول وغيرها، إلا أن هذا الشخص لا يملك في جيبه ريالًا واحدًا، فيعكس من خلال مظهره أنه ثري ذو منصب وجاه إلا أنه عكس ذلك تمامًا، فالمظهر يوحي بشيء والواقع شيء آخر.

وكذلك يقال عند الأخوة الأشقاء في مصر “من برى هالله هالله ومن جوه يعلم الله” أي أن المظهر جميل وما بداخله “قبيح”.

نتعامل مع عدد من الأشخاص ونرى فيهم الشيء الكثير ولكن لا نعلم عن واقعهم الحقيقي إلا بعد انكشاف أمرهم بالمواقف والتجارب الحياتية.

وهناك مثل آخر قد يكون شبيهًا بهذا المثل الذي يقول “تزين وتدين” أي أنك تجده يلبس أفخر الثياب ويقود أفضل السيارات وأحدثها ولكن من أين أتى بذلك كله؟! بالتأكيد لا نعلم فالبعض يحرم أسرته وأبنائه من أبسط مستلزمات الحياة ليعيش واقعًا مغايرًا عن واقعه الغير مناسب لوضعه المادي والإجتماعي، فتجده لا يستطيع دفع فواتير الماء والكهرباء والهاتف، فيما تجده من أجل التباهي يقترض ويظهر بمظهر المقتدر.

ومثل آخر يتواكب مع ما ذكرناه وهو موجه للنصيحة فنقول “مد لحافك على قد فلوسك” أي أنه لا تكلف نفسك ما لا طاقة لها به لكي تعيش وتواكب من هم قادرون على ذلك، فلا داعي للتباهي وأن تلبس ثوبًا ليس ثوبك.

هذه الأمثال لها دلالات على الواقع الذي نعيشه، ولها وقع في نفوسنا، فلو فكرنا قليلًا بالفائدة المحصلة والتي سنجنيها من ذلك لما وجدنا لها فائدة.

البعض ينخدع بالمظاهر ويصدق كل ما يراه للأسف، وأغلب من يقعون في ذلك الفخ يكونون عرضة للنصب والإحتيال، فأغلب من يحتالون علينا هم أصحاب المظاهر الخداعة.

فلنكن حذرين في التعامل مع هؤلاء الأشخاص، وبالتأكيد نمر بالعديد من المواقف مع هذه النماذج المخادعة، فنرى هيئة المحتال توحي بواقع الثراء ونكتشف في نهاية الأمر أن ذلك الشخص يظهر واقعًا غير الذي هو عليه؛ ليصل إلى مبتغاه ويوهم الناس بشيء ليحقق مصالحه من ورائهم، والبعض يتظاهر كذبًا بسبب عقدة النقص التي بداخله ولا يرضى بواقعه الذي هو عليه فتراه يكلف نفسه فوق طاقته من أجل الملبس الأنيق والسيارة الفاخرة، وارتياد أفضل المطاعم والكافيهات.

كما يقال أيضًا: “الشيفة شيفة والمعاني ضعيفة”

يقال هذا المثل عندما ترى شخصاً ذا هيئة ومظهر، فتعجب به وتأخذ عنه انطباعاً إيجابياً، بينما هو سيئ النفس والعمل.

يقال إن الشاعر كُثيّر عزة دخل على أمير المؤمنين، عبد الملك بن مروان، يوماً، وكان كُثيّر قصير القامة نحيل الجسم، فقال عبد الملك: أأنت كثير عزة؟ قال: نعم؛ قال: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه!

فقال كثير: يا أمير المؤمنين، كلّ عند محله رحب الفناء، شامخ البناء عالي السناء؛ ثم أنشأ يقول:

ترى الرجلَ النحيف فتزدريه.. وفـى أثـوابـه أســدٌ هـصـورُ

ويعجـبـكَ الطـريـرُ اذا تـــراهُ.. ويخلفُ ظنكَ الرجـلُ الطريـرُ

ضعاف الطير أطولهـا رقابـاً.. ولم تطلِ البزاةُ ولا الصقـورُ

لقـد عَظُـم البعيـر بغـيـرِ لــبٍ.. فلـم يستغـن بالعِظَـم البعـيـرُ

ينـوَّخ ثـم يضـرب بالهـراوي.. فــلا غِـيَـرٌ لـديــه ولا نـكـيـرُ

يصرّفـه الصبـيُّ بـكـل أرضٍ.. وينحره على الترب الصغيـرُ

فما عظم الرجال لهـم بفخـرٍ.. ولكـن فخـرهـم كــرم وخـيـرُ

فـإن أكُ فـي شراركـمُ قلـيـلاً.. فـإنـي فـــي خـيـاركـمُ كـثـيـرُ

فأعجب به الأمير وعرف قدره من فصاحته وعقله وانكشاف جوهره الثمين.

وأما قول العرب «أن تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه» فقصته أنه كان في سالف الزمان رجل قاطع طريق يدعى «المعيدي» أخاف الناس وتردد اسمه على كل لسان.

فلما ألقي القبض عليه رأى الملك هيئته فاحتقره، وأطلق جملته المشهورة «أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه».

هذا يبدو وكأنه عكس المثل الذي نحن بصدده الشيفة شيفة والمعاني ضعيفة، ولكن يجتمع معه في إفادة أن المظهر قد يختلف جذريًا عن المخبر، وأن علينا ألا ننخدع بالصورة الخارجية للإنسان.

فالحذر الحذر من تصديق تلك النماذج والسير ورائهم دون دراية، وعلينا عدم إعطائهم الثقة الكاملة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights