السائرون إلى الله
هلال السليماني
أيها المهاجرون إلى الله، المتدثرون بالضياء المنسكب على مساءات مكة، يا مهبط النور في لياليها العشر.
أيها السائرون على الخطى أما زال الصدى يتردد في دروب مكة وطرقاتها ويتحدر من جبالها يسير على تخوم وديانها؟
أما لمحتم أبا بكر يحث الخطى في ليالي الهجرة، وعمر وقد نزلت عليه سكينة {طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ (2) }- [من سورة طه].، وعلي يفتدي المصطفى وقد نام في البيت وقريش تحشد فتيانها؟ أما لمحتم أسماء تسير في جنح الظلام تشق دروب مكة نحو الغار وهي تحمل الزاد؟ أما سمعتم “أحد أحد” تشق السكون في الهاجرة؟ ما الذي أيقظ ياسر وسمية وعمار في هذا الوقت! هل رحل مصعب تاركًا المنازل والأطيان؟ وما فعل خباب؟ هل لمحتم حمزة متقلدًا قوسه يسير في ساحات الكعبة؟
ألم تعرفوا بعد كيف وصل هذا النور إليكم؟
وما بقى من مكة يا مهبط النور ومهوى الأفئدة؛ ها قد جاءوك رجالًا، وعلى كل ضامر من كل فج عميق.
في الليالي العشر يأتي الليل ومعه التهليل والتكبير، تنسكب السماء بالرحمات وترتفع أصوات لا إله إلا الله. إنه الموسم الروحاني الآخر تجتمع فيه الأفئدة وتتآلف حوله القلوب في لحظات يكون الحجيج قد يمموا وجههم شطر المسجد الحرام. جاءوا من كل فج عميق {لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ…}-[من آية 28 سورة الحج].
إنه الحج ذروته.. العج والثج تنكسر القلوب هناك عند عرفات الله في لحظات التجلي الحر، يحتاج فيها الإنسان إلى التوبة والمغفرة وقد مرت عليه الأيام.. استنزفت منه الروح والإنسانية في هذا العالم المليء بالمتناقضات والصراعات التي تنبعث هنا وهناك لأسباب لا نعرفها بين الإنسان وأخيه الإنسان، بين دول وشعوب، وقد خلقها الله للتعارف لا لتتحارب وتتباغض.
أما آن لهذا الإنسان أن يخضع لخالقه بعد أن تجرع مرارة الهزيمة والانكسار النفسي؟! أما آن له أن يتوجه لله ويستقبل قبلته ويدعو ربه ينفض عنه غبار الزلات وهم السيئات؛ ليغنم من فلاح الدنيا والحسنات، وقد وعد الله عز وجل المحسنين الثواب والمغفرة، وأقسم في كتابه {وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ}-[سورة الفجر آية: 1 و 2].
خذوا زادكم من هذه الأيام ليرزقكم ويتوب عليكم، اشحنوا أرواحكم بطيب الفعال وبركات الأيام وحسنات شهر الحج؛ تفوزوا وتغنموا، لتصدقوا مع الله، وتوجهوا إليه في هذه الأيام المباركات.