رائحة الفقر..
شريفة بنت راشد القطيطية
هناك حيث المرافيء مختلة والغروب مزاجه سيء .. حيث الأعتاب خالية والأفكار مهترئة.. يتدافع المحسنون ببعض الفتات الذي لا يسد فم جائع ولا يتعدى أصابع اليد .. هناك أشياء لن تجدها إلا في بيوت الفقراء.. أواني خالية من عزف الملاعق وإن وجدت فهي تائة بين غبار السنين .. وأغطية بالية حكم عليها بالرث والهذيان .. هناك خزائن من وهم تترنم بين مداخل البيوت وعناقيد غزل ليس لها ثبوت .. وهناك مسن يعبث بالمذياع ليتابع أخبار الصباح وفتات الظهيرة وبكل الأحوال هو ينتظر حبة تمر وفنجان من القهوة المرة .. وهناك حمد وشكر طوال الوقت بقناعته ورضاه أنه أتم الدنيا على أكمل وجه.. ستجد بين الجدران أطفال منهكون من التراخي وعجز الراحلون وجدرانهم ملاهي مبهرة وستجد بين السطوح خرائب يعتل فيها الوضوح .. وستجد رائحة الفقر تنام بكل هدوء.
بين السطوع وهج يرتمي بين أحضان الأمنيات .. يدخل الحلم كأمير ويتعامل معك كملك وهو يبهرك.. إن خلف جدار بيتك تحفر الكنوز وتتغذى من صبرك وترسم خطا أحمرا لكي تبقى ملكًا خاصًا لك .. لا أحد يتدخل بيني وبين حلمي .. لا أحد يقتني وطنك الهائم بأحداقك وتطلعات أبنائك ومرام مرادك .. لا أحد يرسل لي خبزًا أتدفأ به من برد شتاء ولا أحد يرسل لي نسمة باردة في صيف حار .. لا أحد يتدخل.. الخبز أصنعه بيدي والدفء آخذه من حب المتضامين معي ونسمة الهواء الباردة أبعثها من روح القلوب التي تشكر الله بالرضا .. لا أحد يتكلم عن ميثاق عقدناه لنيل القمر بحفل نجوم…
أيها الفقر.. كنت تعتقنا كنبيذ لزمن آخر ربما نصلح لوقتك والإستفادة من خبراتك.. ونفسك العالق بالجدران وتوابعك المهترئة في ملابسنا وإشتياقنا للعيد وعبثك المتوارث أبًا عن جد وعواملك المشتركة بين جماهير عدة .. لديك مليون عذر لتبقى أسيرًا بيننا وليس لديك عائلة وأهل ونحن بمثابة أهلك وأصولك وعبقك .. تأتي بالصحون خالية والذهون عالية وتأتي كشيخ موقر في جماليات المساء والجميع على قلب واحد وهم واحد .. وتقص علينا جهاد الشرفاء وقصص العظماء وتعلمنا كيف الشجاعة وكيف نصنع الرجولة والنساء أخت خجولة .. وتكاتف الجميع تحت جمال المطر ليبقى الأثر بكل جدية وعبق .. لديك مزايا جميلة تعلمنا إياها .. لو كنا عكس ذلك لما عرف الشخص أخاه والولد أباه لأن حياة الأغنياء تفكير للمزيد وتوبيخ للعبيد وتحقير للعديد .. فأنت وفي لنا ونحن وإن كبرنا سنبقى أوفياء.