المدرسة …حياة سارقو الأفكار.. ومظللو الإدارة
د. محمد بن أحمد البرواني
محمد للاستشارات الإدارية والتربوية
alnigim@gmail.com
ليس هناك من هُم أكثر رجعية وتخلف من سارق أفكار الموظفين والهروب بها إلى المدير لكي يتحدث عنها ويبث سمومه فيمن استفاد منه وقدّم له الفكرة على طبق من ذهب وبحسن نية دون دراية بسلوكه السلبي وغاياته الرديئة ، ويعتقد مثل ذلك بأنه يحقق أهدافه للوصول إلى أعلى المراتب الوظيفية في تلك الدائرة أو المديرية ، ثم يطمح إلى ما هو أعلى حتى يصطدم بمّشخص عارف ومتعلم لبيب ، وقائد حاذق ، لا تمر عليه مثل هذه الألاعيب ، ولا تفرّحه الضحكات المصطنعة ، والكلمات المتكرّرة ، فسرعان ما يكتشفها ، فاعتماده على التحليل والتشخيص والقياس ، لا الكلام والشخصنة والشلّلية التي تجتمع في مكتب المدير على مدار ساعات العمل في كسب المّودة وتقديم الصباحات التي تتسم أخبارها لذم فلان وتحقير علان ، وهل من عمل لها سوى ذلك فمن يقود مقودها ؛ لا يملك من الآليات سوى الاستماع الذي لا يكمله فيتبع أحسن القول فيأخذ منه ،استناداً إلى قول الله عز وجل في كتابه الكريم ﴿الَّذينَ يَستَمِعونَ القَولَ فَيَتَّبِعونَ أَحسَنَهُ أُولئِكَ الَّذينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُم أُولُو الأَلبابِ﴾ [الزمر: ١٨] ، بل استماع منقوص قاصر على مستوى مدى فهمه ، وضعف بصيرته ، وقلة حيلته.
كثيرون هم المتسلقون ومظللو الإدارة ومن عجائب الأمور أن هناك من يعتقد من العاملين بأن له اليد الطُّولى والقدرة على الخصم والفصل والتأديب والنقل؛ فيطيعوه خوفاً منه دون أن تنبس لهم شَفه، بالّرغم من زيادة اضطراباتهم وكثرة انفعالاتهم نتيجة ما يشاهدونه من سلوك وما يتعرضون له من ضغوط.
أحد المظللين كان مع قائد عارف حاذق فطلب منه إنجاز مهمة ما؛ فرّد المظلّل بالإيجاب وذهب مسرعاً إلى من يخشاه وأوكل إليه المهمة التي يعرف هو دون شك بأنها ستنجز، وما كان القائد إلا في أثره فاستمع إلى توجيهاته ووعيده بالعقوبات التي ستناله في حال عدم الإنجاز وفي دورانه تفاجأ بالقائد وأسدل رأسه خجلاً، فضاعت كلماته وتبدّدت ضحكاته.
إن تحقيق العدالة يتطلب توظيف أدوات القياس التي لا يحيد عنها أي مسؤول في المؤسسات المختلفة ، والتي تبنى على معايير العمل المعتمدة على الإنجاز والابتكار وتقديم الأفكار ووجود المعرفة والخبرة والانضباط ، وهي أمور يتم وضعها في مؤشرات عالية الدّقة مقاسة من قبل اختصاصيين ملمّين بأمر القياس ؛وفق قيم مؤطره ،وغايات محدّدة مبرمجة في خطط تنفيذية وفق أهداف إجرائية ذكية قابلة للقياس ؛ باتفاق مؤطريها مرتبطة بفترة زمنية محددة ،وعلى القائد أو المدير أو المسؤول عن أمر العاملين في أية مؤسسة كانت اتباع تلك المعايير وتوظيفها في العمل ؛ لتصبح ركيزة أساسية في المؤسسة فهي روح المؤسسة وقلبها الناظم وثقافتها التنظيمية التي تسير عليها.
تلك الثقافة التنظيمية هي نبراس كل معلم وموظف وعامل يهتدي إليها كاهتداء المسافر على الطريق قديماً ، وكاتباع سائق السيارات على محرك البحث عن الموقع في جوجل وما شابهه فيسير وفق تعليماته وينفذ أوامره ويتبع إرشاداته ، فتنشأ ثقافة الأفراد وتتأطر لديهم وتسري في سلوكهم وتصبح جزء من ممارساتهم اليومية ، وخير مثال على ذلك ممارسات بعض الشركات في استخدام الحزام والقدوم إلى الشركة في النهار، ولا يسمح بالدخول ليلاً والقيادة بسرعة محدّدة في أماكن العمل والطريق ، وأهمية وجود كرسي الأطفال وغيره ؛ فصارت تلك ممارساتهم في العمل والمنزل وهو المطلوب والهدف المرغوب.