2024
Adsense
مقالات صحفية

النحو قنطرةُ الآدابِ

مياء الصوافية

إن طالبَ العلمِ أحْرى به أنْ يتعلمَ النحوَ الذي يعينُه على فهمِ المقروءِ، وسبرِ أغوارِ مكنوناتِه؛ فبه يُصانُ لسانُه عنْ الخطأِ أو الوقوع في لَحْنِ القرآنِ وكذلك يُستعانُ به على فهمِ القرآنِ والسنةِ النبويةِ وهما الدستوران اللذان نحيا بهما حياةً صحيحةً تحفظُ لنا أنفسَنا وعقولَنا.
قد عدّ علماءُ الدينِ النحوَ شرطاً من شروطِ الافتاءِ والتفسيرِ والاجتهادِ في طلبِ العلومِ الشرعيةِ.
نستدلُ على أهميةِ علمِ النحوِ بما قالَه سيدُنا عمرُ بن الخطابِ:(رضي اللهُ عنه):”تعلّموا إعرابَ القرآنِ كما تُعلّمون حفظه).

إنَّ النحوَ هو أولُ درجاتِ العلمِ بعدَ تعلمِ الحَرْفِ وبنيةِ الكلمةِ فهو كالسلمِ لسائرِ العلومِ وهذا ماأكدَه الإمامُ السالمي في قوله:”النحو كالسلمِ لسائرِ العلومِ فأولُ ما ينبغي للتلميذِ تعلّمَه هو علمُ النحوِ”.

عندما نرجعُ إلى المعنى اللغويِّ لكلمةِ النحوِ نجده يأتي من الفعلِ:نحا ينحو أي :اتَّجهَ وقصدَ الطريقَ، ونلاحظُ من خلالِ هذا المفهومِ أنّه بالفعلِ يعني طريقَ الوصولِ للشيءِ.

النحوُ قنطرةُ الآدابِ هلْ أحدٌ؟
جاوزَ البحرَ إلا بالقناطيرِ
لو تعلمُ الطيرُ ما في النحوِ من أدب حَنَّتْ وأَنَّتْ إليه بالمَنَاقِيرِ
إنَّ الكلامَ بِلا نحوٍ يُحَاكي
نبحَ الكلابِ وأصواتَ الزنابيرِ

إنَّ كلَّ فنونِ الكلامِ- شعرها ونثرها- تسيرُ في الفهمِ الصحيحِ إنْ انطلقتْ من مبدأِ فهمِ النحوِ.

إنَّ أبا الأسودِ الدؤلي هو من أنشأَ علمَ النحوِ وكانَ السببُ في وضعِه لهذا العلمِ هي قصتُه المشهورةُ مع ابنتِه حولَ الفهمِ غيرَ الصحيحِ.
تأتي القصةُ عندما قالتْ له ابنتُه:”يا أبتِ ما أحسنُ السماءِ؟”
فقال:”أي بنيتي، نجومُها”. فقالتْ له:” لم أردْ شيئاً منها أحسنَ، إنما تعجبتُ من حسنِها، ولا أسألُ”،فقال لها:”إذن فقولي :ما أحسنَ السماءَ! وافتحي فاكِ”،ثم دفعُه ذلكَ إلى التفكيرِ في وضعِ النحوِ، وابتدأَ ببابِ التعجبِ.
فلو لاحظنا الاختلافَ في الحركةِ في كلمةِ(أحسن) من الرفعِ إلى النصبِ جعلَها تتحولُ من الاسميةِ إلى الفعليةِ ومنْ أسلوبِ الاستفهامِ إلى أسلوبِ التعجبِ.
إن جملة “ما أحسنُ السماء” ؟أسلوبُ استفهامٍ وأحسنُ يُعتبَرُ اسمٌ فهو خبرٌ لما الاستفهامية.
أما في جملة “ما أحسنَ السماء!” هو أسلوب تعجب وأحسنَ فعل التعجب .

إنَّ تعلمَ العربيةِ تُنمِّي الفصاحةَ والطلاقةَ المؤثِّرة وتزيد من معرفةِ المروءاتِ وتعيش قَصَصَ أصحابِ الفكرِ الصائبِ وتصنعُ في النفسِ بعد تعلمِها المعجزاتِ ومما قاله عمربن الخطاب(رضي الله عنه ):”تعلموا العربية فإنها تقوي العقل وتزيدُ من المروءةِ).

مَنْ أرادَ معرفةَ المباحثِ اللفظيةِ والنكاتِ البلاغيةِ في الدينِ فليُشمِّرْ عن سواعدِ الجِدِّ وليلجْ كتبَ النحوِ ويجسّ مضامينَه وليهرولْ إلى دروبِه، ومن أحبَّ الشهرةَ فعليه بالنحوِ لأنه يجعلُ الفصاحةَ تَسْرٍي في أعماقِه سَرَيَانا شريفاً عزيزاً فتخرجُ الكلمةُ منه مُؤثِرةً مُعبرةً.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights