احرصوا على كسب القلوب
خلفان بن ناصر الرواحي
قال أحد الحكماء: “اكسب قلوب الآخرين بأربع: بطيب الكلام، وجميل الاهتمام، وصدق الالتزام، وحسن المعاملة”. ما أروعها من حكمة! إنها تخاطب الوجدان، وتحرك العواطف الجياشة لتحيي مراتب النبل والسماحة وصدق التعامل بين الناس جميعًا إن أحسنا فهمها وتطبيقها على أرض الواقع؛ لأنها راحة بال واطمئنان وسلامة وعفو وعافية.
لم يغفل ديننا الحنيف عن هذه الخصلة العظيمة التي ينبغي أن نحرص عليها جميعًا، فهي من أعظم مراتب مكارم الأخلاق، وكسب الود، وسلامة العمل، وكرامة النفس، وسمو المنزلة في المجتمع. كما أنها تعد إحدى دعائم سلامة العقيدة وخاصة بين المؤمنين أنفسهم؛ لأن العقيدة هي الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا. فهناك آيات قرآنية عديدة وأحاديث نبوية، جاءت في هذا السياق التي تدعو إلى الأخوة والتسامح لكسب القلوب، ومنها قوله تعالى في كتابه العزيز: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [سورة الحجرات من آية: 10]. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: (لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مرَّاتٍ بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ). رواه مسلم.
إن من أهم مرتكزات نجاح المجتمع بين أفراده كافة رغم اختلاف جنسهم وعرقهم هو انتشار فضيلة كسب القلوب ومودتها، والحرص دائمًا على نقائها، والبعد عن التنافر والتباغض والتحاسد، كما أن الأمر بالتعاون على البر والخير والبعد عن العداوة والبغضاء ما هو إلا من أجل تآلف القلوب وتناصرها في جميع المواقف، في الشدة والرخاء، في الفرح والترح، في حدود الأسرة أو في كل مكان، سواء في البيت، أو المدرسة، أو الجامعة، أو مقر العمل، أو الوطن أو خارج حدوده. فكل الذي يتحلى بهذه الخصلة الجليلة فهو مرآة دينه ووطنه وبيئته التي نشأ فيها، وهي بمثابة رسالة سلام، وبذرة ود لكسب قلوب الآخرين.
لقد أصبحت الحاجة في هذا الزمان ملحة لزرع تلك الخصال الذي اشتدت فيه العداوة والبغضاء، وضعفت المودة بين القلوب والألفة بينها، وكادت تصبح عملة نادرة، فقد قلَّ المعينون عليها إلا من رحم ربي، فما أحوجنا أن نعيد ترتيب بيتنا ومجتمعنا لنحيي هذه الفضيلة الجليلة بيننا! وننصح ونحث عليها غيرنا؛ فهي بلا شك فيها الخير العظيم والنفع العميم لقوام المجتمع. فحري بنا أن نطبقها في واقع حياتنا لتقوية الأواصر، ومحاربة المفاسد وكسر شوكة التباغض لقوام الأمة.
وما أحوجنا أيضًا في هذا الزمان إلى الدعاة المخلصين! الذين يسعون بهمتهم لاستمالة قلوب الناس التي غرّ بها في وحل الضلالة وكسبها للرجوع إلى سماحة الدين الإسلامي في التعامل فيما بينها، فكم هو محزن أن نرى تلك الفجوة والشرخ الكبير بين أهل الإسلام عامة وبين أهل الدعوة بسبب تصرف أعمى من قلة تدعي الانتماء للدين الإسلامي، وهي في حد ذاتها سببٌ من أسباب الشتات والفرقة وزرع فكر الخلاف المذموم؛ مما أدى إلى بعد الناس عن حقيقة منهجية الدعوة والالتزام بمبادئها، حتى وصل الحال إلى الخلاف بين أهل الدعوة أنفسهم، وكثرت الشكوك بين طوائف المسلمين، واستغلها أعداء الإسلام لزرع الفتن من الداخل والخارج، وغابت القدوة الحسنة إلا من رحم ربي.
فعلى كل إنسان سوي أن يراجع نفسه، ويجعل نصب عينيه حسن الخلق في قوله وفعله، وأن يسعى لعمل الخير لخدمة الآخرين؛ ليؤدي دوره العظيم ليستأثر قلوب الآخرين، ويكسب مودتهم، ويجعل وجهه طليقًا بالبُشر، وبذل المعروف، وكف الأذى، والإخلاص في القول والعمل.